الإسلام
حجّ 2024/1445: هل تغطية وسائل الإعلام لوفيات الحجاج موضوعية أم انحيازية؟
دعونا نفحص هذا الموضوع الذي احتلّ صدارة الأخبار والأجندة العالمية. هل وفاة 1300 حاج حقًا مثيرة للقلق لدرجة أن يتمّ تصوير فريضة الحج كطقس وحشي ومأساة إنسانية؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أولاً فحص معدلات الوفاة العالمية والسياق الذي وقعت فيه هذه الحادثة بشكل أعمق
*تحرير
لا يزال حيًّا في ذاكرتنا؛ ما حدث في 28 مايو 2022 في ستاد فرنسا في باريس، عندما تحولت ليلةٌ كان من المتوقع أن تكون مليئةً بالإثارة والفرح إلى صرخة مليئة بالقلق والخوف وخيبة الأمل. فقبْل المباراة الكبيرة بين ليفربول وريال مدريد على لقب دوري أبطال أوروبا، تقطعتِ السبلُ بالمشجعين عند مدخل الملعب وتفاقَم الوضعُ بسبب عدم عمل خطوط القطار بشكل كامل والازدحامِ المروري الشديد والتزاحم المفرط. ومما زاد الأمرَ سوءًا تواجدُ الشرطة للتدقيق في التذاكر والذي نتج عنه خروج الأمر عن السيطرة، فما كان من الشرطة إلا أن تتدخل بشكل عنيف مما أدى إلى خلق جو فوضوي.
وقد بلغت الفوضى ذروتها مع التدافع الذي استدعى إخراج النساء والأطفال من الحشد لمنع سحقهم. وفي اليوم التالي، تسابقت القنوات الإخبارية المختلفة لتغطية المآسي التي رافقت المباراة، مما أدى إلى حدوث ضجة إعلامية عالمية. هذا الهجوم الإعلامي الشرس على أحداث هذا الحدث الكروي الذي كان من المفترض أنْ يوحِّد الناسَ أكثر في العالم المعاصر أخافَ أصحاب المصالح والمنافع المادية. وأمام هذا الوضع الذي قد يكلِّف عالمَ كرة القدم خسارةَ شعبيتها وأرباحها المادية التي تقدر بالمليارات تدخَّل أصحاب النفوذ لتهدئة العاصفة، بحيث تتناول وسائل الإعلام القصة وتعالجها بعبارات أقلّ حدةً مع التركيز الكبير على اللعبة.
وفي الأيام القليلة الماضية، نقلت مصادر إخبارية مختلفة تقارير عن 1,301 حالة وفاة مسجلة في حج هذا العام. ويبدو أن بعض هذه الأخبار نُشرت وسُلّطتِ الأضواء عليها لأغراض ونوايا سيئة. فعلى سبيل المثال، ذكرت محطة البي بي سي الإخبارية في عنوانها بتاريخ 21 يونيو "ماذا وراء الوفيات في الحج هذا العام في المملكة العربية السعودية؟". أما رويترز فقد استخدمت في عنوانها بتاريخ 19 يونيو "مئاتٌ يموتون من الحرارة الزائدة في رحلة الحج". وأشارت CBS Newsفي خبرها بتاريخ 20 يونيو إلى "أكثر من 1000 شخص ماتوا في رحلة حجّ عام 2024 بسبب الحرارة الزائدة في المملكة العربية السعودية". بينما عنونت Hindustan Timesفي 24 يونيو "عدد الوفيات في حج 2024 يتجاوز 1300؛ بين القتلى 100 هندي".
تحت هذه العناوين، يبدو أن المحتوى لم يأخذ في الاعتبار مشاعر وحساسية المسلمين وأن الحج هو أحد الأسس الرئيسة التي يعظهما المسلمون ويطبقونها بكل إيمان وإخلاص وتفانٍ. وبالتالي فإن استخدام عباراتٍ وجملٍ مثل "جثث ملقاة في الشوارع حول المسجد الحرام" (CBS News) و"مأساة الحج" (Hindustan Times) تؤكد افتراضَ أن يكون الهدف من تغطية الحدث بهذا الشكل السعيَ لإظهار هذه الفريضة الإسلامية العظيمة على أنها مأساة. حتى أن رويترز ذهبت إلى حد أبْعد، عن طريق تذكير الناس بحوادث التدافع وحرائق الخيام والحوادث الأخرى التي وقعت خلال الثلاثين عامًا الماضية. وللأسف الشديد، وُجد بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أشخاص وقعوا في الفخ وبالغوا في نقل تلك التقارير وصوروا الحج على أنه نشاط وحشي.
هل عدد الوفيات طبيعي؟
من الحقائق أنّ بعض الحجاج قد فقدوا حياتهم خلال موسم الحج هذا العام، وأن صعوبة أداء فريضة الحج وظروف الطقس القاسية ربما سببت مشاكل للحجاج. ومع ذلك، يمكن القول إن معظم التغطيات الإعلامية للموضوع تحمل توجهات إسلاموفوبية على الأقل، إن لم تكن خبيثة. ورغم وجود صحفيين مسلمين بريئين أو مهملين، والذين تم استخدامهم كغطاء أو كبش فداء، إلا أن االحقيقة التي لا تخفى على ذي عينين تتمثل في أن معظم المؤسسات الإعلامية التي نقلت الأخبار بهذا الأسلوب الشديد هي مصادر غير مسلمة تدعم هذا الفرضية. خاصةً أن الأخبار التي تركز على المأساة دون اعتبار للأهمية الروحية والدينية للحج لا تأخذ بعين الاعتبار حساسيات المجتمعات المسلمة بما فيه الكفاية، لأن المسلمين لا يعتبرون الوفاة في الحج مأساة، وإنما هي منزلة عالية يكتبها الله لمن اصطفاهم من عباده.
دعونا نفحص هذا الموضوع الذي احتلّ صدارة الأخبار والأجندة العالمية. هل وفاة 1300 حاج حقًا مثيرة للقلق لدرجة أن يتمّ تصوير فريضة الحج كطقس وحشي ومأساة إنسانية؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أولاً فحص معدلات الوفاة العالمية والسياق الذي وقعت فيه هذه الحادثة بشكل أعمق. على سبيل المثال، وفقًا لـ CIA World Factbook، يُقدر معدل الوفيات العالمي اليومي بـ 7.9 لكل 1000 شخص. فإذا أخذنا هذه الإحصائية في الاعتبار، فإن وفاة 1300 شخص من بين حوالي 2 مليون حاج يؤدون المناسك على مدى أسبوعين لا يعتبر حادثة عظمى أو أمرًا خارجاً عن المنطق. فبحساب بسيط، كان من المتوقَّع أن يموت حوالي 16,000 شخص من بين 2 مليون شخص، مما يجعل وفاةَ 1300 شخص نسبياً نسبةً منخفضة وطبيعية.
بالطبع، في الوقت الذي نطالب فيه الإعلام بمزيد من الموضوعية والصدق في جميع مجالات التغطية الإخبارية، لا يُعفِي ذلك السلطاتِ السعودية من المسؤولية، بحيث يجب اتخاذ تدابيرَ أكثر صرامةً للحد من مشاركة الأشخاص غير المؤهّلين في الحج، وهناك حاجة إلى مزيد من الابتكار للتخفيف من تأثير الظروف الجوية القاسية على الحجاج.
**الكاتب: خالد أفولابي
الترجمة: مدثر موسى
Be the first to comment .