Sosyal Medya

الثقافة

تأثير الثقافة الجماهيرية العالمية على تطور قيم الشباب

لقد أدت عولمة وسائل الإعلام والتحولُ الاجتماعي إلى تسريع دمج الثقافات واعتماد الثقافة الجماهيرية التي تُعرف بالثقافة الشعبية. وبالتالي أدى هذا الوضع إلى ظهور هوية ثقافية جديدة ومختلفة، خاصة بين الشباب، مما يشكل مخاطر على الذات وتطورهم الشخصي.

**

هل تساءلت يوماً لماذا يقع العديد من الشباب ضحية للضغوط الاجتماعية وتوجهات الامتثال؟ في هذا القرية العالمية التي نعيش فيها، تشكل الثقافة الجماهيرية العالمية مهندسًا صامتًا لأحلام وواقع الشباب اليوم. إنها حقيقة قاسيةيصعب فهمها، لكنها أحد المخاطر التي يواجهها الشباب في يومنا هذا. وهذه الواقعة تعرقل قدرة الشباب على اكتساب القيم الفردية والتفكير النقدي، وهي واحدة من القضايا التي يتم تناولها بشكل محدود من قبل الجماهير. ويجدر بنا أولاً أن نتطرق إلى تعريف "العولمة"، و"الثقافة العالمية"، و"الثقافة الجماهيرية"؛ ومن ثم نستعرض مزايا وعيوب هذه المفاهيم، ونختم بتقديم توصيات حول تأثير الثقافة الجماهيرية العالمية على قيم الشباب.

 

العولمة، الثقافة العالمية، والثقافة الجماهيرية؟

رغم أنها تبدو متشابهة أو تحمل نفس المعاني، إلا أن هناك اختلافات هامة بين هذه المفاهيم يجب مراعاتها لفهم الموضوع بشكل ناجح. فالعولمة هي مجموعة من العمليات التي يقال إنها توحد العالم وتزيد من الروابط والعلاقات المتبادلة بين جميع الشعوب والثقافات والدول. وبالتالي، يُقال إن العولمة شكلت العالم الذي نعيش فيه اليوم من نواحٍ عديدة. ومن بين فوائد العولمة الاتصال بين الشبكات، والتواصل بين الشعوب، وسهولة الوصول إلى المعلومات، وتسهيل الأعمال عبر الحدود، والنمو الاقتصادي وما إلى ذلك. وأما الثقافة العالمية فهي مفهوم يتكون من كلمتين مختلفتين: "العالمية" و"الثقافة". بالنظر إلى المعاني والهياكل المعقدة لهاتين الكلمتين، يمكننا تعريف الثقافة العالمية حرفياً على أنها طريقة حياة الناس الذين يعيشون في العالم، وأعمالهم الثقافية المشتركة التي يتم إنتاجها واستهلاكها على نطاق واسع من قبل الجميع. ومن الناحية النظرية، تشير الثقافة العالمية إلى ثقافة مشتركة يتم تقاسمها عالمياً من قبل العديد من الدول، وتستند إلى القيم الاستهلاكية الغربية والمواقف تجاه البيئة المادية. فأفلام هوليوود، سلاسل الوجبات السريعة، والموسيقى الشعبية هي أمثلة قليلة على الثقافة العالمية المادية التي تسللت إلى كل ركن من أركان العالم. وبالتالي فإن للثقافة العالمية بعض المزايا من حيث إنها توفر فرصًا للوقوف على لغات مختلفة، وأفكار وعلاقات متنوعة، وتروّج للاتصالات والتنوع. ولذلك فالأشخاص المستبعدون وغير المحظوظين يمكنهم العثور على فرص مع تطور الثقافة العالمية. باختصار، يمكن القول إن الثقافة العالمية قد انتشرت في جميع أنحاء العالم عبر العولمة. وفي هذا السياق، يمكننا القول إن هذه المفاهيم تتداخل.

يمكن تلخيص الثقافة الجماهيرية بأنها مجموعة من الأساطير والصور والنماذج الثقافية التي تنتشر عبر جميع وسائل الإعلام وترتبط بالاستهلاكية والامتثال. وتلعب الثقافة الجماهيرية دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام، والمعايير الاجتماعية، والاتجاهات داخل مجتمع معين، خاصة بين الشباب. والثقافة الجماهيرية هي واحدة من التأثيرات الأساسية على الحداثة. إذ إن الناس عادة ما يكون لديهم عادات متشابهة، يستهلكون نفس الطعام، يرتدون نفس الملابس، يستمعون إلى نفس الموسيقى، ويتبنون نفس القواعد الأخلاقية والقوانين. وبالتالي، تظهر عناصر ثقافة عالمية تتجاوز الحدود الوطنية. ففي قريتنا العالمية، تلعب وسائل الإعلام الجماهيرية الدور الأهم في نقل الثقافة الجماهيرية. وعلى الرغم من التداخلات والتأثيرات الظاهرة، من المهم أن ندرك أن الثقافة الجماهيرية تقتصر على بلد أو حضارة واحدة، في حين أن الثقافة العالمية يتم تقاسمها بين الناس في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، فإن الثقافة الجماهيرية العالمية -كما يصف موضوعنا- هي مفهوم يجمع بين جوانب الثقافة العالمية والثقافة الجماهيرية. وببساطة، تعني الأنشطة والمنتجات الثقافية التي يتم إنتاجها وتوزيعها على نطاق واسع على مستوى العالم.

 

الإيجابيات والسلبيات

وعلى الرغم من أن الثقافة الجماهيرية العالمية قد أوجدت العديد من الآثار الإيجابية مثل النمو الاقتصادي، والتواصل العالمي، والتفاعل بين الثقافات، إلا أنها أدت أيضًا إلى تآكل الهوية الثقافية، والتجانس الثقافي. ومع تفكك الروابط الاجتماعية التي جلبتها العولمة، تضيع الهويات الثقافية المحلية. ومع ارتباط الأفراد بشكل أكبر بالشبكات، يزعمون أنهم بدأوا في التعرف على الثقافة العالمية بدلاً من الثقافة المحلية. وقد سهلت عولمة السوق انتشار القيم الثقافية الغربية، مما أدى إلى ظهور ثقافة عالمية واحدة تُعرف بالثقافة المتجانسة. ونتيجة لهذه المنافسة الشرسة، تضررت الثقافات المحلية وتعرضت للإهمال. هذا الهيكل الثقافي المتجانس في القرية العالمية أدى إلى ظهور ما يُعرف بالهيمنة الثقافية، مما جعل الشباب يتصرفون، يعيشون، ويفكرون مثل الغرب. وبالتالي، يمكن الإجابة على السؤال المتعلق بما إذا كانت الثقافة الجماهيرية العالمية تؤدي إلى التجانس الثقافي أو التنوع الثقافي من خلال هذا المنظور.

 

الثقافة الجماهيرية العالمية وقيم الشباب

من الصعب الادعاء بعدم وجود أي علاقة بين "الثقافة الجماهيرية العالمية" وقيم الشباب اليوم. إذ إن مجتمع المعرفة والعولمة يوجهان تطور الثقافة الحديثة، حيث يستوعب الشباب بانتظام معاييرَوأفكارًا جديدة. وقد أدت عولمة وسائل الإعلام والتحول الاجتماعي إلى تسريع دمج الثقافات واعتماد الثقافة الجماهيرية التي تُعرف بالثقافة الشعبية. هذا الوضع أدى إلى ظهور هوية ثقافية جديدة ومختلفة، خاصة بين الشباب، مما يشكل مخاطر على الذات وتطورهم الشخصي. ومع ذلك، ليس من الصحيح تعميم أن جميع الشباب هم ضحايا لهذه المشكلة، فهناك في جميع أنحاء العالم انتقادات موجهة من قبل الشباب الواعي تجاه العولمة والثقافة الجماهيرية العالمية، حيث يشيرون إلى أن الثقافة العالمية مسؤولة عن الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى التلوث، وإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وكذلك إلى جنون الاستهلاك. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الثقافة الجماهيرية العالمية على العمال في البلدان النامية الذين يعملون بأجور منخفضة وظروف عمل غير مستقرة وبدون تمثيل نقابي. وقد اتسعت فجوة الثروة؛ ففي النظام الذي نعرفه بالرأسمالية، يزداد ثراء عدد قليل من الأفراد الأقوياء على حساب عمل الآخرين.

 

ختامًا:

ينبغي دعم النضال ضد الثقافة الشعبية والهيمنة الثقافية والجوانب السلبية للثقافة الجماهيرية العالمية التي تؤثر على تقرير الفرد لمصيره وتطور المجتمع والثقافات المحلية من قبل حكومات جميع الأمم، كما يجب أن تبادر المؤسسات التعليمية والمنظمات إلى ضمان أن يكون الشباب على دراية بالمخاطر التي تواجههم، وتشجيعهم على احتضان ثقافاتهم وقيمهم، وتوعيتهم لعدم الانجراف نحو سلبيات الثقافة الجماهيرية العالمية.

 

**  الكاتب: علي فهد

المترجم: مدثر موسى

Be the first to comment .

* * Required fields are marked