Sosyal Medya

الإسلام

النكات والمقالب على وسائل التواصل الاجتماعي: هل هناك حدود أخلاقية للمقالب في الإسلام؟

**

يوماً بعد يوم يزداد انتشار مقالب التواصل الاجتماعي المثيرة والتي توثر على الأشخاص من جميع الأعمار في جميع أنحاء العالم. في بعض الأحيان تكون هذه المقالب مجرد تمثيل بسيط من قبل صانعي المحتوى لزيادة نسب المشاهدة، وفي أحيان أخرى ليست هكذا بل تُوجه لأشخاص غرباء تمامًا. بعضهم يقدم "هدايا" لضحايا المقالب. هذه هي الحرية الغير محدودة التي يوفرها الإنترنت، فمن خلال تدمير الحساسية الاجتماعية يتم جعل هذه المقالب الثقيلة تُعد نوعًا من الترفيه الممتع. فما هي القواعد الأخلاقية الحقيقية في هذا السياق؟ وماذا يقول الإسلام عن ذلك؟

المقالب الثقيلة المعروفة عالميًا باسم "pranks"، تُعرّف عمومًا بأنها أعمال تهدف إلى جعل الشخص يبدو سخيفًا أو أحمق. في بعض الأحيان قد تكون مجرد مداعبات بسيطة ومضحكة، ولكن في كثير من الأحيان، تتجاهل هذه المقالب كرامة الآخرين أو راحتهم، وتستخدم الخداع أو السخرية كوسيلة للترفيه. المقالب غالبًا ما تشمل إزعاج الغرباء، طرح أسئلة غريبة أو محرجة، التصرف بغرابة في الأماكن العامة أو حتى التحرش المباشر. يمكن القول إن معظم مستخدمي الإنترنت قد شاهدوا العديد من مقاطع الفيديو التي لا حصر لها حيث يقوم صانعو المحتوى بهذه المقالب الغير أخلاقية على أشخاص أبرياء.

 

السؤال الأخلاقي

قبل انتشار المقالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الثقافات المختلفة حول العالم تمتلك طرقها الخاصة في المزاح، ولكن غالبًا ما كانت هذه تحدث بين أشخاص يعرفون بعضهم البعض، وكانت دائمًا تُراعى كرامة الآخرين. أما اليوم، فقد يستهدف شخص غريب دون علمه، ويُجرى عليه مقلبًا، وهكذا يتم توليد حركة مشاهدة، وتتم مشاركته عبر الإنترنت لجذب المتابعين وكسب المال. هذا المقلب قد يتسبب في فقدان الشخص المستهدف لكرامته. لذلك تتطلب هذه الحالة استجواباً أخلاقياً جاداً.

يتصرف العديد من الأشخاص الذين يقومون بهذه المقالب دون مراعاة الحالة الصحية للضحايا المستهدفين عند القيام بالمقلب. وعلى وجه الخصوص، كثيراً ما يُعَرض صانعوا المحتوى الناس لمواقف خطيرة قد تؤثر على صحتهم. الصدمة الناتجة عن هذه المقالب يمكن أن تدفع القدرة العقلية لدى الكثير من الأشخاص إلى أقصى الحدود. ففي بعض الحالات، قد يدفع المقلب الأشخاص إلى الاعتقاد بأنهم في خطر حقيقي، مما يسبب لهم الذعر وقد يؤدي إلى ردود فعل خطيرة ويدفع بهم للهرب بعيداً. وإذا كان الشخص المستهدف يعاني من مشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، أو الاضطراب الانفجاري المتقطع، أو اضطراب الشخصية المذعورة، ففي هذه الحالة قد يؤدي إلى ردود فعل ضارة وخطيرة وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.

الأمر الأكثر إثارة للقلق والحزن هو أن الأطفال بدأوا في اتباع أمثال هذه المقالب، حيث بدأوا بالقيام بمقالب غير محترمة تجاه آبائهم، مما يعكس تدهورًا اجتماعيًا في الأخلاق والاحترام. هذه التصرفات تعكس انحطاطًا في القيم الاجتماعية، حيث يقوم الأطفال بالسخرية من آبائهم تحت غطاء المزاح.

 

 ماذا يقول الإسلام في هذه القضية؟

يعطي الإسلام أهمية كبيرة للأخلاق الحسنة، ويشجع كل مسلم على التعامل بطريقة مثالية مع الآخرين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. ويرفض الإسلام بشدة أي سلوك يمكن أن يعرض الآخرين للخطر، أو يثير الخوف في نفوسهم، أو يمثل تهديدًا لهم. ويدين بشدة الأفعال التي تؤثر سلبًا على كرامة الآخرين أو سلامتهم وبالتالي، فإن مقالب وسائل التواصل الاجتماعي تقع ضمن هذه الفئة المرفوضة. يمكن أن تكون الفكاهة والمزاح والسلوك المرح شكلاً جذاباً للتواصل التفاعلي، ولكن يجب تنفيذها باحترام مدروس ضمن الحدود الأخلاقية.

الإسلام ليس ضد المزاح، ولكنه يشترط أن يكون ضمن حدود الأخلاق والاحترام. تُظهر لنا الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم فهم عميق لدينهم غالبًا ما يتمتعون بروح الدعابة الإيجابية، وأن هذه الفكاهة لا تقتصر على جلب الابتسامات والضحك للآخرين فحسب، بل تشجع أيضاً على التفكير النقدي والتأمل. لذلك يجب أن تتجاوز الفكاهة التسلية، لتكون أداة للتفكير العميق، وأن تكون مصدر لإلهام وتقدير أعمق من السعادة التي تحققها. وفي هذا السياق سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:"يا رسول الله إنك تُداعبنا (أي تُمازحنا) فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم موضحاً لهم قائلاً:"إني لا أقول إلا حقاً" (الأدب المفرد 265). وفي هذا الحديث يظر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه، وكان يقول لهم الفكاهات لإسعادهم، وكان يفعل ذلك بهم جماعة أو منفردين. ومع ذلك، حتى وهو يمزح، لم يقل إلا الحقيقة ولم يحيد عن الحق.

وفي حديث أخر، عن أبي أُمامة الباهلي رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلقه" رواه أبو داوود بإسناد صحيح.

لنأخذ لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع امرأة عجوز. جاءت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: ادع الله أن يدخلني الجنة! فقال لها:"يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، وانزعجت المرأة وبكت ظناً منها أنها لن تدخل الجنة، فلما رأى ذلك منها بين لها غرضه أن العجوز لن تدخل الجنة عجوزاً بل ينشئها الله خلق أخر فتدخلها شابةً بكراً وتلا عليها قوله تعالى:" إنا أنشأنهم إنشاءً فجعلنهن أبكاراً عُرُباً أتراباً" (الواقعة 35-37) يوضح هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يعبر عن الحق والحقيقة، حتى بكلماته المازحة، ويبشر أيضاً النساء المسنات بأنهم سوف يدخلون الجنة وهم بسن الشباب اليافع.

 

النتيجة:

بالإضافة إلى الأخلاق الإسلامية، هناك قوانين في العديد من البلدان تمنع تصوير الأشخاص دون علمهم أو موافقتهم. على سبيل المثال يمكن أن يؤدي تحميل الصور على الإنترنت دون علم الأشخاص أو موافقتهم إلى اتهامات جنائية بانتهاك الخصوصية وانتهاك المساحة الشخصية للأخرين. وتشمل الإعمال الجنائية المحتملة الأخرى الناتجة عن المقالب المضايقة والمطاردة والتحرش وزعزعة السلام والتسبب في الإزعاج العام. في الحالات الأكثر تطرفًا، إذا تسبب مقلب في وفاة شخص، قد يواجه صانع المحتوى تهمًا خطيرة مثل القتل غير المتعمد بغض النظر عن نيته. القتل غير المتعمد يعني التسبب في وفاة شخص نتيجة إهمال، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عواقب قانونية كبيرة.

ونتيجة لذلك، على الرغم من أن الإسلام يقبل الفكاهة والمزاح ضمن حدود، فإن مقالب وسائل التواصل الاجتماعي غالبا ما تنتهك الحدود الأخلاقية التي وضعتها الشريعة الإسلامية. وغالبًا ما تحتوي المقالب على عناصر الخداع ويمكن أن تؤدي إلى الإذلال وعدم الاحترام والإهانة. ويرتبط أيضًا بالأذى مثل إخفاء العناصر وإثارة الآخرين. وكما جاء في مؤلفات أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ متاع الأخ ولو في المزاح أو الجد قائلاً:" لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جاداً". وفي ضوء هذه المخاوف فإنني أدعو إخواننا المسلمين إلى أن يتقوا الله في جميع علاقاتهم وأن يتجنبوا أي عمل من شأنه أن يجعلنا معصين في وجه الله. إن إطلاق النكات والمقالب على وسائل التواصل الاجتماعي لا يناسب الشخصية المسلمة المثالية. ولذلك، سيكون من المناسب لمنظمات مراقبة وسائل الإعلام المختلفة ضمان مساءلة صانعي المحتوي الهزيلة. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات إلى تنظيم مدى انخراط الأفراد في المقالب التي من المحتمل أن تسبب اضطرابات اجتماعية. ويمكن أن يكون للمقالب آثار ضارة على الصحة العقلية للجمهور وأن تكون مصدراً يهدد التماسك الاجتماعي.

 

** الكاتب: رضوان أولاميليكان مصطفى

   المترجم: محمد سبع الليل

Be the first to comment .

* * Required fields are marked