السياسة
ماذا يعني اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله؟
**
في 27 سبتمبر الماضي اغتالت إسرائيل حسن نصر الله وعدد آخر من قيادات حزب الله اللبناني في مبنى سكني في الضاحية الجنوبية في بيروت، جاء الاغتيال بعد تصاعد الأحداث بين إسرائيل وحزب الله منذ انطلاق "طوفان الأقصى" قبل عام، حيث عمل أطلق الحزب سلسلة من الصواريخ والاستهدافات للقواعد العسكرية الإسرائيلية، ورغم أ ن مستوى الإسناد والدعم من حزب الله كان في حدّه الأدنى إلا أن إسرائيل اتخذتها ذريعة لاستهداف العديد من قيادات الحزب العليا مثل فؤاد شُكر وعلي كرَكي وأخيرا حسن نصر الله نفسه.
وقد أدى اغتيال حسن نصر الله وعدد آخر من القيادات السياسية والعسكرية العليا للحزب إلى استغلال إسرائيل الفرصة لضرب العديد من مخازن الصواريخ وضرب التواصل الداخلي بين القيادة العليا وعساكر الميدان في محاولة من إسرائيل لهزيمة سريعة وخاطفة للحزب.
تسعى إسرائيل من وراء ذلك إلى تغيير المعادلة السياسية في لبنان حتى يتم تعيين رئيس مسيحي موالٍ لإسرائيل مثلما فعلت في حرب 1982م حين دخل آرييل شارون بقواته إلى لبنان لضرب منظمة التحرير الفلسطينية وعيّن رئيسًا جديدا مسيحيا هو بشير الجميِّل الذي سرعان ما اغتالته القوات السورية بعد أيام قليلة لأنه كان يهدد النفوذ السوري والشيعي داخل لبنان.
اليوم يريد نتنياهو تدمير أكبر قدر ممكن من قوة حزب الله لتحقيق عدة أهداف كبرى على رأسها إجبار قوات الحزب على الانسحاب إلى جنوب نهر الليطاني في المرحلة الأولى حتى تتمكن من إعادة المستوطنين اليهود إلى مستوطانتهم في شمال إسرائيل.
الأمر الآخر أن إسرائيل تسعى إلى إضعاف الدور العسكري الإيراني والمليشيات الشيعية في لبنان وسوريا بهدف التمدد العسكري مستقبلا؛ فقد أعلن العديد من الوزراء الإسرائيليين مثل وزير المالية سموتريتش أن القدس اليهودية وهي عاصمة أرض الميعاد تمتد من القدس إلى دمشق، وهذا التصريح يعني أن إسرائيل قد تنطلق من مرتفعات الجولان التي تحتلها منذ عام 1967 إلى تهديد العاصمة السورية دمشق وربما احتلالها مستقبلا، وهي تريد من وراء ذلك تحقيق خطة ما يُسمى بـ"ممر داود" الذي يمتد حتى نهر الفرات.
عقب اغتيال حسن نصر الله ومن قبله إسماعيل هنية في طهران قررت إيران أن تردّ اعتبارها في الشرق الأوسط بإطلاق الصواريخ البالستية والفرط صوتية لضرب أهداف في إسرائيل ذاتها، وقد وقفت كثير من الدفاعات الجوية عاجزة عن ردّ هذه الصواريخ التي أصابت العديد من المناطق المهمة والحيوية في إسرائيل مثل قاعدة نيفاتيم الجوية التي تحوي أكبر سرب من طائرات F35فضلا عن ضرب منطقة تبعد الموساد بمقدار 500 متر، وأدى هذا الهجوم إلى هروب أكثر من 10 مليون إسرائيلي إلى الملاجيء.
وقد سبب هذا الهجوم إهانة كبيرة لإسرائيل التي تسعى في إبادة غزة وجنوب لبنان إلى إعادة فرض هيبتها وقوتها في الشرق الأوسط من جديد، ويريد نتنياهو أن يحقق مشاريعه لإنشاء "الشرق الأوسط الجديد" وهو شرق أوسط يخلو من القيم الإسلامية التي تهدد إسرائيل؛ مثل حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو للجهاد وتحثّ عليه، وإعادة كتابة مناهج تعليمية في الدول العربية والإسلامية تدعو إلى عدم وجود فروق بين الأديان السماوية؛ والزعم بأن الإسلام لا يختلف عن اليهودية والمسيحية في شيء، وهي الديانة التي يسمونها بـ"الإبراهيمية" وتسعى بعض دول المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق هذه الخطة بكل حماسة.
وقد أعلنت إسرائيل أنها تنسق ردّا عسكريا ضخمًا يضرب المصالح الإيرانية المهمة مثل مصافي النفط أو المنشآت العسكرية والدفاعية أو حتى المنشآت النووية والبالستية الإيرانية؛ في المقابل حذّرت إيران إسرائيل أن استخدامها للأجواء العربية مثل السعودية أو الكويت أو البحرين سيؤدي إلى ضرب القواعد الأمريكية في هذه الدول، بل وضرب مصافي النفط فيها وهو الأمر الذي سيؤدي إلى حرب شاملة كبيرة يكون من نتائجها ارتفاع ضخم في أسعار البترول العالمية، وهو ما سيؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد العالمي.
على سبيل المثال خرج رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي منذ أيام يصرح بأنه إذا قامت حرب شاملة فإن مصر ستعلن عن "اقتصاد الحرب" وهذا يعني أن السلع الأساسية ستكون محدودة وغير متوفرة بصورة كبيرة، وسيتم توزيعها بنسب محددة على المواطنين؛ لأن أسعار البترول العالمية ستتصاعد وسيتم إغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب، بل واضطرابات ضخمة في شرق البحر المتوسط؛ وكذلك توقف كامل لقناة السويس، وإذا حصل هذا لمصر فإن الضرر الذي سيقع على دول الخليج المتحالفة مع أميركا سيكون كارثيًا؛ لهذا السبب تحاول السعودية في هذه الأيام أن تقف أمام الضربة الإسرائيلية المتوقّعة على إيران، وتوسّط أمريكا لكي لا تكون ضربة كبيرة حتى لا يسبب ذلك ضررا كبيرا لمصالحها الاقتصادية في المنطقة.
إن مقتل حسن نصر الله أدى إلى انتقام إيراني وبالأمس القريب انتقام من الحزب نفسه الذي ضرب بطائرة مسيرة مفخخة قاعدة عسكرية جنوب حيفا أدت إلى مقتل 4 جنود إسرائيليين وإصابة 100 آخرين؛ وهو الأمر الذي سيعجّل من انتقام إسرائيل في لبنان وسوريا وإيران؛ وقد يُشعل حربا إقليمية كبرى.
إن دخول إسرائيل إلى لبنان وسوريا يعد خطرًا كبيرا على مصر وتركيا ودول الخليج؛ لأن هذا الاحتلال إن حدث سيؤدي إلى تفكيك سوريا إلى عدة دويلات طائفية جديدة تتصارع على أساس الدين والعرق والتدخل الأجنبي، وسيكون خطوة أكيدة في تفكيك مصر وتركيا ودول الخليج والعراق وربما إيران نفسها.
** الكــــــــــــــاتب: محمد عبد الحميد
Be the first to comment .