الثقافة
قضية مارسيلوس وليامز: قرينة البراءة وآثارها القانونية في ظل الشريعة الإسلامية
**
النظام الإسلامي هو نظام عقائدي يحمي قدسية الحياة البشرية ويحرّم إزهاق الأرواح بغير حق. وقد ورد في القرآن الكريم توضيح لحرمة قتل النفس، حيث قرن الله تعالى قتل نفس بريئة بقتل الناس جميعاً، وإحياؤها بإحياء الجميع، إذ قال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًاۢ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًۭا ۖ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًۭا" (المائدة: 32.
تبرز الرحمة في مبادئ الشريعة حتى عند ذبح الحيوانات، مما يعكس المقاصد الشرعية التي تجعل حماية النفس أولوية عليا.
سنناقش في هذا المقال حالة إعدام غير عادلة نُفذت "قانونياً" بحق سجين أثار إعدامه غضباً عارماً رغم وجود أدلة تثبت براءته، وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي تعتبر نفسها حامية لحقوق الإنسان. وذالك في ظل منظور الشريعة الإسلامية.
فمن هو هذا السجين ، ولماذا تم إعدامه رغم وجود أدلة قوية تثبت براءته؟
السجين مارسيلوس خليفة ويليامز، أمريكي من أصول أفريقية، وُلد في 30 ديسمبر 1968 في مدينة ساوث بيند بولاية إنديانا، وانتقل إلى سانت لويس مع والدته وشقيقيه عندما كان عمره نحو خمس سنوات. تزوج لاحقاً من امرأة لديها ابنة وأنجب منها طفلاً.
أُدين في عام 2001 بقتل فيليسيا غايل طعناً في ضواحي سانت لويس بولاية ميزوري عام 1998. ووفقاً لادعاء النيابة، اقتحم ويليامز منزل غايل في 11 أغسطس 1998 وقتلها طعناً بسكين جزار كبير عدة مرات.
ورغم تعليق المحكمة العليا في ولاية ميزوري قرار إعدامه مرتين في عامي 2015 و2017 من قبل الحاكم، إلا أنه في عام 2023 أعادت السلطات إطلاق الإجراءات لتنفيذ حكم الإعدام.
ظل مارسيلوس ويليامز في زنزانة الإعدام لأكثر من 20 عاماً، وخلال هذه الفترة أصرّ على براءته وعمل على إثباتها، لكن عجلة العدالة لم تدر لصالحه.
خلال فترة سجنه، اعتنق مارسيلوس ويليامز الإسلام وبدأ بدراسة الدين وكتابة الشعر، وأصبح إماماً للسجناء المسلمين، وعُرف بلقب "خليفة". أكد فريقه القانوني، المكلف بالدفاع عنه، أن العقيدة الإسلامية كانت محور هويته، وأنه شعر بالحزن الشديد على عدم اكتشافه هذا الدين من قبل.
تم إعدام مارسيلوس ويليامز بالحقنة القاتلة في 24 سبتمبر 2024 في سجن بون تير بولاية ميزوري، رغم استمرار الشكوك حول إدانته. أكد فريق الدفاع عدم وجود الحمض النووي لويليامز على سلاح الجريمة، وأن المحاكمة لم تكن عادلة بسبب استبعاد المحلفين السود. كما تم العثور على آثار الحمض النووي لمدعٍ عام ومحقق تعاملا مع السكين دون ارتداء قفازات، مما أدى إلى تلوث السلاح.
أصدرت إدارة السجون رسالته الأخيرة التي كتبها بخط يده قبل إعدامه، حيث قال فيها: "الحمد لله على كل شيء".
قضية القتل في الإسلام
يُعد قتل الإنسان لنفسه عمدًا جريمة ومعصية يأثم فاعلها، وهو محرمٌ بالإجماع، بدليل من الكتاب والسنة والعقل. قال الله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ [النساء: 29]. فالنفس ملك لله، والحياة وهبها الله للإنسان، فلا يحق له أن يُعجّل بالموت بإزهاق روحه.
يبرز موقف الإسلام الراسخ تجاه القتل في جعله من الكبائر، ولكنه يفرق بين أنواعه ودرجاته بحسب أسبابه وسياقاته لتحديد الحكم المناسب لكل نوع. وفقًا لعديد من فقهاء الشريعة، يُصنَّف القتل في الإسلام ضمن خمسة أقسام رئيسية في إطار القانون الجنائي الإسلامي،وهي:
العقوبة |
الوصف |
الاسم |
عقوبتة الإعدام (القصاص). |
القتل العمد هو أن يتعمد الجاني قتل شخص باستخدام أداة تؤدي لموته |
القتل العمد (قتل العمد) |
تعويض مالي وفي بعض الحالات عقوبة السجن. |
ضرب المقتول عدواناً بما لا يقتل غالباً كالعصا، أو السوط |
القتل شبه العمد |
عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين، ودفع دية. |
التسبب في وفاة شخص دون قصد نتيجة خطأ. |
القتل الخطأ |
عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين، ودفع دية |
حدوث الوفاة نتيجة أفعال قام بها الفاعل دون وعي أو قصد. |
القتل غير الإرادي |
يعتبر كقتل الخطأ لعدم وجود القصد، ويعامل بالتعويض |
حدوث الوفاة نتيجة سبب مستقل لا علاقة له بالفاعل المباشر. |
القتل غير المباشر |
قضية وليامز وتقييمها من منظور الشريعة الإسلامية
كيف يمكن تقييم قضية "مارسيلوس خليفة وليامز" من منظور الشريعة الإسلامية؟
اتُهم مارسيلوس خليفة وليامز بارتكاب جريمة قتل عمد، ولكن لم تُقدّم أدلة كافية لإثبات إدانته في المحكمة. وقد جاءت نتائج اختبارات الحمض النووي التي أُجريت بعد سنوات لتثبت براءته. أخذت القضية بعداً جديداً عندما طالبت عائلة القتيل بإسقاط الدعوى.
وفقاً للشريعة الإسلامية، إذا لم تطالب عائلة الضحية بالقصاص وتنازلت عن حقوقها كضحية، فإنه يمكن إسقاط الدعوى. وعند النظر إلى إدانة وليامز وتثبيت براءته لاحقاً من هذا المنظور، يتضح أنه كان من الواجب مراعاة طلب العائلة.
الجزاء في الشريعة الإسلامية يعتمد على ما ورد في القرآن الكريم، حيث يُقدّم حلاً مزدوجاً في حالات القتل العمد: الإعدام (القصاص) أو الدية (تعويض مالي). تُطبّق الدية عادة في حالات القتل شبه العمد؛ ومع ذلك، إذا اختارت عائلة الضحية التنازل عن القصاص، يجوز اللجوء إلى دفع الدية في قضايا القتل العمد أيضاً.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصيب بدم أو خبل - والخبل الجراح - فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص، أو يأخذ العقل (أي الدية)، أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم» (رواه أحمد). وكذلك قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى..." (البقرة: 178)، وهذا يُبيّن أن القانون الجنائي الإسلامي يمنح عائلة الضحية خيار القصاص أو العفو عن المتهم، مما يسهم في تحقيق السلام والوئام الاجتماعي.
إضافةً إلى ذلك، فإن قرينة البراءة تحظى بحماية قوية في الشريعة الإسلامية، حيث يُقال: "تبرئة مذنب خير من إدانة بريء".
الخاتمة:
لقيت قضية إعدام وليامز وإدانته جدلاً واسعًا، حيث رأى منتقدون أن الأدلة المتاحة لم تكن كافية لتبرير هذه العقوبة. أشار بعض المحللين إلى أن التحيزات العنصرية وعوامل أخرى ربما أثرت في قرار المحكمة العليا بتنفيذ حكم الإعدام، بما في ذلك نشاطات وليامز في الدعوة الإسلامية، وتأثيره الإصلاحي على السجناء، ودعمه لقضية فلسطين. تثير هذه العوامل تساؤلات حول احتمال تأثر القضية بالتحيزات الشخصية.
من ناحية أخرى، تقدم الشريعة الإسلامية نظامًا قضائيًا عادلًا ومحايدًا بعيدًا عن أي تحيزات أو عداوات شخصية. تسعى الشريعة إلى تحقيق العدالة المطلقة متجاوزةً الولاءات القبلية أو الجماعية، وتهدف إلى حماية الحياة، والكرامة، والملكية، والنظام الاجتماعي. الشريعة تُلزم بعقوبات صارمة على الجرائم الكبرى، مثل القتل، والحرابة، والسرقة، وذلك وفق معايير عادلة تركز على حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد.
** الكـــــــــاتب: رضوان أولاميلاكان مصطفى
المترجـــــمة: أمــيــنـــة القـــــــــــــــــاسم
Be the first to comment .