Sosyal Medya

الثقافة

التخطيط العمراني لمدينة القدس العثمانية

"القدس هي أحدى مدن الله المقدسة وأرض الأنبياء والمرسلين؛ لهذا السبب يجب أن تكون محل تقديس وإحترام لكافة المسلمين كما أشار إلى ذلك رب العزة في كتابه العزيز ورسوله الكريم في سنته النبوية المشرفة كما سيأتي. فالقدس كلمة تعني الأرض المطهرة من الرجس".

                         إعداد؛ محمـــــود إسكندرية

الكلمات المفتاحية: " تاريخ القدس العمراني، القدس وأهميتها، المسجد الأقصا؛ الآثار العثمانية بالقدس وبالأقصى"

            في كل يوم تقع جريمة جديدة من تدنيس المقدسات الإسلامية ببيت المقدس على يد الكيان الصهيوني؛ الذي أسس وجوده في حربنا وإغتصاب أراضينا الإسلامية في فلسطين والقدس وقبلتنا الأولى المسجد الأقصى على  الأسطورة العقائدية التوراتية التي تقول: " اليهود شعب الله المختار في الأرض". لهذا السبب كان الصراع مع الكيان الصهيوني فرض عين على كل مسلم قادر في شتى الميادين؛ وبخاصة في ميادين التاريخ والإعلام والتعليم... وغيرها من الميادين التي يسيطرون عليها سيطرة شبه كاملة. لقد نتج عن غفلتنا عن التاريخ الإسلامي القديم للقدس ولفلسطين قبل البعثة النبوية الشريفة وبعدها أن سيطرت الحركة الصهيونية على التاريخ القديم قبل البعثة المحمدية الشريفة؛ وجعلوا تاريخ بيت المقدس كله مرتبط بوجودهم في فلسطين؛ وذلك عبر تزييف التاريخ القديم والإستيلاء عليه؛ والذي نتج عن تركه للحركة الصهيونية أن تعبث به أن أقنعت العالم بأن أساس صهريج الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي 86-96هـ أسفل المسجد الأقصا المبارك هي أساسات هيكل سليمان المزعوم؛ وذلك ليكون لهم ذريعة لهدم المسجد الأقصا قبلة المسلمين الأولى. لهذا منعًا لخلط الأوراق بين التاريخ القديم والإسلامي والحديث للقدس وفلسطين علينا أن نحقق تاريخ القدس العمراني القديم والإسلامي وبخاصة خلال الفترة العثمانية؛ التي مازالت آثارها باقية إلى الآن بالقدس؛ وتسبب حجر عثرة أمام الحركة الصهيونية لهدم المسجد الأقصى المبارك. لذا لابد من التعريف بالمسجد الأقصى وأهميته بالنسبة لمدينة القدس؛ وأهمية مدينة القدس دينيًا وتاريخيًا؛ وبخاصة بعد واقعة الإسراء والمعراج للنبي -صلى الله عليه وسلم- التي تعد صك إنتقال من قبل رب العالمين لمدينة القدس من الأمم الكتابية السابقة للأمة الإسلامية الخاتمة؛ ولكل ما سبق كان هذا المقال.

التمهيد

            السؤال الذي يطرح نفسه أمام أي مسلم ما هي أهمية المسجد الأقصا والقدس؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد من تلخيصه في نقاط محددة يسهل على القارئ الكريم حفظها وفهمها؛ وهي كالتالي:

            القدس هي أحدى مدن الله المقدسة وأرض الأنبياء والمرسلين؛ لهذا السبب يجب أن تكون محل تقديس وإحترام لكافة المسلمين كما أشار إلى ذلك رب العزة في كتابه العزيز ورسوله الكريم في سنته النبوية المشرفة كما سيأتي. فالقدس كلمة تعني الأرض المطهرة من الرجس.

القدس تضم بداخلها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين للمسلمين. والمسجد الأقصى هو مسجد الأنبياء؛ لذا صلى فيه الرسول-صلى الله عليه وسلم- مع الأنبياء عليهم جميعًا وعلى نبينا الصلاة والسلام أثناء رحلة الإسراء.[1] كما أن صلاة واحدة داخل المسجد الأقصا تعدل ألف صلاة من حيث الثواب في أي مسجد آخر؛ كما أخبرنا بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-. والمسجد الأقصا أرض الإسراء ومنه كان المعراج للنبي-صلى الله عليه وسلم- للسماء؛ لهذا ذكر المسجد الأقصا ومعه مدينة القدس في أكثر من موضع بالقرآن الكريم بسور البقرة وآل عمران والمائدة  ومريم  والإسراء والنجم وغيرهم. والمسجد الأقصا ليس أهم من الكعبة بيت الله الحرام؛ ولكن كثرة ذكره في القرآن دلالة على حث رب العالمين للمسلمين لمعرفة أهمية الأمانة المستودعة إليهم؛ لذا فالمقدسات الإسلامية وقف من الله تعالى للمسلمين وملكاً لهم أيان كان عرقهم أو لونهم؛ لهذا إذا أحتل الكفار المسجد الأقصا؛ فإن كل يوم  يمرعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهم لا يفكرون في كيفية تحرير القدس والأقصا يأثمون عليه؛لهذا عندما سأل صلاح الدين الأيوبي لماذا لا تضحك؟! فأجاب: كيف أضحك والأقصا أسير بين أيدي الصليبيين. ولابد هنا من الإشارة إلى أن المقدس في المسجد الأقصا هو الأرض أي  الساحة وليس البناء. لأن المسجد الأقصا على مدار تاريخه هدم وأعيد إنشاؤه أكثر من أربعين مرة. ولكن بعد البعثة النبوية المباني التي توجد في المسجد الأقصا وترجع للعصر الأموي في أغلبها؛ أهميتها هي أنها تحدد لنا مصلى الأنبياء الجامع القبلي بساحة المسجد الأقصا؛ وصخرة المعراج التي صعد منها إلى السماء الرسل-صلى الله عليه وسلم- مع أمين الوحي جبريل -عليه السلام- وهي يعلوها مسجد قبة الصخرة الحالي؛ وحجر البراق الذي ربط عنده الرسول-صلى الله عليه وسلم- دابة البراق؛ والمحفوظ داخل سور المسجد الأقصا منذ عهد السلطان الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني؛ والمشهور إعلاميًا  بسبب الدعاية الصهيوينة باسم حائط المبكى. 

 

التاريخ العمراني لمدينة القدس

            أول من أنشأ مدينة القدس هو سيدنا آدام -عليه السلام-[2] وتنقسم مدينة القدس إلى قسمين القسم الأول يعود في تاريخ إنشاؤه إلى عهد ابو البشر-عليه السلام- وهي القدس الشرقية؛ والقسم الغربي والمعروف بالقدس الغربية يعود للعصر العثماني تحديدًا من عصر السلطان سليمان القاوني.[3] وفي عام 1967م بسبب الخيانة من قبل التيارات الشيوعية والباطنية الحاكمة في المنطقة العربية استطاع الصهاينة إحتلال القدس الإسلامية؛ وقسموها إلى قسمين القسم العثماني الغربي يكاد يكون تهود مائة في المائة؛ ويعرف اليوم باسم القدس الغربية. والقسم الشرقي التاريخي والذي يحتوي على المسجد الأقصا؛ وبذلك يكون الصهاينة قد استغلوا التمدد العمراني العثماني بالقدس الشريف للإستيلاء على القدس الغربية وتهويدها بحجة أنها خارج المدينة القديمة أي خارج القدس الشرقية.[4]

 وتنقسم القدس الشرقية إلى أربعة أحياء رئيسة؛ وهي كالتالي

  • الحي الإسلامي بشمال القدس وأغلب سكانه من المسلمين.
  • الحي اليهودي؛ والذي كان في السابق محلة خاصة بسكن التركمان؛ غير أنه بعد احتلال القدس في الحرب العالمية الأولى من قبل القوات الإنجليزية سنة 1917م قام الإنجليز بعدها بعامين بتفريغ محلات التركمان وتهجيرهم وبيع الأراضي لليهود؛ ومازال إلى اليوم في القدس يوجد ثلاث عائلات مستعربة من أصل تركي يعيشون بين القدس ونابلس.[5]
  • الحي الأرمني؛ وهذا الحي يعود إلى القرن الـ5هـ/11م حيث وفد الأرمن على مملكة بيت المقدس الصليبية للعمل كجنود مرتزقة في جيش الصليبيين للحرب ضد المسلمين. ولكن بعد فتح الناصر صلاح الدين يوسف للقدس سنة 583هـ/1187م وعندما أراد أن يطرد الأرمن من القدس؛ تعاهدوا مع السلطان صلاح الدين الأيوبي ألا يحملوا سلاحًا في وجه المسلمين؛ وألا يخونوا المسلمين؛ مقابل السماح لهم بالبقاء في القدس؛ فوافق صلاح الدين بشرط ألا يكون لهم مع ما سبق أي نشاط سياسي. غير أنه في آواخر العصر العثماني بدأ الأرمن يبيعون أرضهم للوكالة الصهيونية العالمية؛ ناقضين بذلك العهد الذي تعهد به أجدادهم مع السلطان صلاح الدين الأيوبي؛ وأشاع الأرمن مع اليهود أن المسلمين العرب يبيعون أرضهم لليهود وليس الأرمن؛ ومازال هذا المعتقد الخاطئ ببيع المسلمين العرب لأرضهم للصهاينة منتشرًا في كثير بلدان العالم الإسلامي لليوم؛ بل وبين بعض التيارات الإسلامية وبخاصة في تركيا؛ كأنه حقيقة مسلمة.
  • حي العرب النصارى؛ ويسكنه النصارى العرب وكثير منهم متحالفون مع الصهاينة مثل الأرمن؛ إلا ما رحم ربك منهم؛ وهم قلة لا تكاد تذكر.[6]

ويعد العرب العموريين هم أول من أعادوا إنشاء مدينة القدس بعد طوفان بني الله نوح -عليه السلام-. وتلاهم العرب اليبوسيين والذين أعادوا إنشاء مدينة القدس وتخطيطيها من جديد؛ وذلك قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد في عهد ملكهم صادق اليبوسي الذي أتخذ من القدس عاصمة لملكه بفلسطين؛ وأطلق عليها اسم مدينة أور سالم أي مدينة السلام بالآرامية العربية؛ والذي يعني مدينة السلام بالعربية العدنانية كما سبقت الإشارة بالتوثيق. وتلا هذه الفترة فترة نبي الله إبراهيم-عليه السلام- وذريته والذي حكم القدس وأعاد إنشائها من جديد وأعاد إعمار المسجد الأقصا بها.[7]

            وأما قبة الصخرة فهي تعد القبة الثالثة من حيث البناء؛ حيث بنيت أول قبة فوق صخرة المعراج التي تعرج منها الملائكة إلى السماء على يد نبي الله داود-عليه السلام- بساحة المسجد الأقصا؛ ثم أعاد العرب الغساسنة إنشائها من الأخشاب في العصر البيزنطي؛ ثم كانت آخر قبة الحالية والتي أنشأها فوق صخرة المعراج الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سنة 72هـ وجعل قبتها تعلو قبة كنسية القمامة؛ وكساها وكسى أبوابها بالذهب؛ غير أن الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور قد رفع عنها الذهب وسك منه دنانير لينفق منها على معاش جنده الخراسانية وإنشاء عاصمته بغداد.

وفي العصر العثماني قام الخليفة سليمان القانوني بتكسية قبة الصخرة من الخارج بالرخام وبالبلاطات الخزفية الزرقاء من كوتاهية؛ وأنشاء خوذة  قبتها على الشكل نصف الدائري من الخشب بدلاً من الشكل البصلي السمرقندي الأموي وكساها بألواح الرصاص ثم بالنحاس؛ ولهذا تأخذ الشكل الأزرق والأصفر الذي نشاهده بها اليوم. وقبة الصخرة بها من الداخل أول فسيسفساء نباتية إسلامية؛ وتعتبر هذه الفسيسفاء بقبة الصخرة باكورة ميلاد الفن الإسلامي في العصر الأموي. غير أن محراب قبة الصخرة يعود عمله إلى السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد فتحه القدس؛ وغسله صخرة المعراج بماء الورد. ( لوحة:1).

وإضافة إلى كل ما سبق تتضح التأثيرات المعمارية العثمانية في القدس وبالمسجد الأقصا تحديدًا في النقاط التالية

  • مازال إلى اليوم سور المسجد الأقصا الخارجي يعود إلى عهد الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني 1876-1909م.[8]
  • حجر البراق؛ وضع بداخل الحائط الغربي لسور المسجد الأقصا بأمر الخليفة العثماني عبدالحميد الثاني لمنع اليهود من التعدي عليه وسرقته. ولذا عرف الحائط الغربي بالمسجد الأقصا بحائط البراق؛ والذي يسميه اليهود بحائط المبكى. ( لوحة:1).

لقد أمر السلطان العثماني عبدالحميد الثاني  في عام 1907م؛ بإنشاء سور حول ساحتي المسجد الأقصا الشمالية والجنوبية على أن تضم جدران السور في داخلها حائط البراق لمنع تعدي الصهاينة على المسجد الأقصا. وكذلك أنشأ أعلى بوابة الخليل بمدينة القدس الشريف برج الساعة الحميدية. والذي دمرته قوات الإحتلال الإنجليزي أثناء احتلالهم للقدس سنة 1917م؛ حيثقال القوات الإنجليزية اللنبي حينها مقولته الشهيرة: " لا ساعة إلا ساعة بيك بن في لندن"؛ وأمر بنقل مطور ساعة باب الخليل الحميدية؛ ووضعه بساعة بيك بن في لندن؛ لتعمل به.[9] ( لوحة:2 ،3).

 

الخاتمة

      وهكذايتضح للقارئ بايجازالتاريخ العمراني لمدينة القدس الشريف عبر العصور؛ وتاريخ المسجد الأقصى وأهمية المنشآت الموجودة به؛ ومكانته الدينية مع مدينة بيت المقدس. والآثار العثمانية التي مازالت ماثلة للعيان بمدينة القدس الشريف وبالحرم القدسي لليوم.

(لوحة:1) الحرم القدسي الشريف الذي يضم المسجد الأقصا بأجزائه المختلفة.

 

                                                                                                                

 

(لوحة:2) بوابة الخليل بالقدس الشريف؛ ويعلوه برج الساعة الحميدية من 1907-1917م

(لوحة:3) بوابة الخليل الحالية بالقدس الشريف؛ ولا يعلوها برج الساعة الحميدية منذ عام 1917م وحتى اليوم

 

 


[1] سمى المسجد الأقصا بهذا الاسم الأقصا؛ نظرًا لأنه أبعد المساجد عن الحرم المكي الذي يزار من قبل عرب الحجاز؛ وكان مشهورًا لديهم بمسجد إيليا أي بيت الله المطهر. وأول أسماء مدينة القدس التاريخية التي وصلتنا هي اسم مدينة أور سالم بالعربيتين الآرامية  والكنعانية أي مدينة السلام بالعربية العدنانية. أنظر خالد إمام؛ المسجد الأقصا يستصرخ ضمائر المسلمين فهل من مجيب؟!!؛ مجلة التكامل العربي، ع.8، بيروت، 2002م، ص.30.

 

[2]عن أبي ذرٍّ قال : قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، أيُّ مسجدٍ وضعَ في الأرضِ أولَ ؟ قال : <<المسجدُ الحرامُ ، قلتُ : ثم أيُّ ؟ قال : المسجدُ الأقصى ، قلتُ : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنةً ، ثم حيثُما أدركتْكَ الصلاةُ فصلِّ ، فهو مسجدٌ>>؛ البخاري، الصحيح، حديث رقم: 3425؛ وفي تفسير هذا الحديث يقول مجير الدين العاليمي أن أول نزول لنبي الله آدام-عليه السلام- مع زوجته حواء -رضي الله عنها- على جبل عرفات بمكة المكرمة؛ ثم ذهب منه مع زوجه إلى فلسطين فأنشأ بها المسجد الأقصا؛ مجير الدين العليمي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، تحقيق عدنان أبو طابانة، مج1،  نشر دنديس، الأردن، عمان، 1999م، ص.87.

[3]عارف باشا العارف، المفصل في تاريخ القدس، مج1، فلسطين المحتلة، القدس، 1966م، ص.104.

[4] جمال عبد الهادي، الطريق إلى بيت المقدس، مج3، مصر، المنصورة، 1987م، ص.40.

[6] مقبولة الحسنين الحاج، مدينة القدس في العصر الأيوبي، الجامعة الأردنية، (رسالة ماجستير غير منشورة)، عمان، 1991م، ص.87، 88، 94، 96؛ خالد عزب وشيماء السايح، الحرم القدسي الشريف، دار الفكر العربي، بيروت، 2010م، ص.7-15؛ عارف باشا، المرجع السابق، مج1، ص.65-67، 87-100.

[7] عارف باشا، المرجع السابق، مج1، ص.11؛ جمال عبد الهادي، ذرية إبراهيم-عليه السلام- والمسجد الأقصا، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، مصر، المنصورة، 1986م، ص.46، 47.

[8] http://www.turkpress.co/node/11883

[9] http://www.turkpress.co/node/11883

Be the first to comment .

* * Required fields are marked