Sosyal Medya

الإسلام

الدول الإسلامية الكبرى "الأموية والعباسية والعثمانية" هل كانت خلافة أم سلطنة؟

"لا شك أن أفضل نظم الخلافة نظام خلافة الراشدين القائم على الشورى الذي كانت الأمة تختار فيه الخليفة من بين أفرادها حتى وإن كان من عامة الناس وتشارك في الموافقة عليه أو رده بنسبة تامة ولا يوجد فيه أسرة عاضة على الحكم في هذه الفترة"

د. خالد إمام

 

الخلافة هي صمام الأمان الذي حافظ على وحدة المسلمين وتضامنهم على مر السنين كأمة واحدة؛ نتج عن هذه الوحدة إخماد نيران أعداء الأمة لفترات زمنية طويلة؛ وزرعت وحدة الأمة بمفهومها الخلافي الخوف في قلوب أعدائها؛ فلما انتهت هذه الوحدة بانهيار منظومة الخلافة في صورتها الأخيرة السلطنة العثمانية؛ ضاعت  فلسطين و بلاد التركستان  وكشمير  والعراق وسوريا  ولبنان واليمن وليبيا؛ وغاب الإسلام عن أغلب بلاد البلقان؛ وبخاصة في البوسنة والهرسك وتميع مفهومه في مصر وسالت دماء المسلمين في أفغانستان وآركان "بورما" أنهارًا وعمت الاضطرابات أغلب البلاد الإسلامية؛ مما مكن أعداء الأمة  من القوى الإمبريالية العالمية وحلفائها من غزو البلدان الإسلامية؛ وخلق بيئة مضطربة فيها عبر القيادات العميلة لأعداء الأمة شرقاً وغربًا؛ والذين يحولون دون وحدة الأمة من جديد. لهذا السبب منذ نهاية العقدين الماضيين من القرن الـ14هـ/20م وحتى اليوم تحولت خريطة العالم الإسلامية إلى اللون الأحمر المخضبة بدماء الأبرياء. في إطار كل هذه الاضطرابات  يُناقش البعض دائمًا مفهوم  الخلافة؛ وهل كانت هناك علاقة بين الخلافة والملك والسلطنة؟! فمعظم المسلمين اليوم مختلطة لديهم المفاهيم حول ماهية الخلافة. لذلك سنحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على مفهوم الخلافة؛ ولكن قبل ذلك يجب تصحيح الخلط الواقع في أذهاننا بين مفهوم الخلافة الراشدة والخلافة الملوكية وخلافة السلطنة.

 

              معنى الخلافة

عندما نقول الخلافة ، نكون قد ذكرنا نقطتين رئيستين. الأولى هي حاكم الدولة الذي يتمثل في شخص الخليفة وطريقة اختياره عن طريق الشورى أو الجمع بين الشورى وولاية العهد كنظام الخلافة الملوكية أو البيعة وولاية العهد عبر مجلس أهل الحل والعقد كنظام خلافة السلطنة؛ في نظامي الخلافة الملوكية كالأمويين والعباسيين ونظام خلافة السلطنة كالعثمانيين نجد العامل المشترك هو وجود أسرة عاضة على الحكم يختار من بين أفرادها الخلفية شورى أو تعيناً. أما النقطة الثانية  فهي الحكومة؛ أو بمعنى آخر شكل النظام السياسي الذي يحقق وحدة العالم الإسلامي بين المسلمين جميعًا مهما أختلفت أعراقهم وألسنتهم؛ لهذا يختلف نظام الخلافة السياسي عن أي نظام سياسي آخر؛ فالنظام السياسي الخلافي يحمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الآخروية والدنيوية؛ وهو خلافة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حراسة الدين وسياسة الدنيا.

وصف نبينا ﷺ فترات الخلافة كما يلي في الحديث قال رسول الله ﷺ: << الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ>>.[1]وفي الحديث الآخر المروي عن الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله ﷺ في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة  قال رسول الله ﷺ: <<تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت>>.[2]وبناء على هذه الأحاديث فتكون فترة الخلافة الراشدة قد اكتملت بخلافة السبط الحسن بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- الثلاثين عامًا؛ والتي تبدأ منذ وفاة الرسول ﷺ في ربيع الأول منالسنة الـ11هـ وتنتهي فترتهابتنازل الإمام الحسن إلى الصحابي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- عن الخلافة في النصف الأول من عام 41هـ والذي عرف بعام الجماعة؛ لإجتماع كلمة المسلمين على خليفة واحد. وتقسم الأحاديث الفترة الإسلامية إلى خمسة فترات زمنية رئيسة الأولى فترة النبوة، والثانية فترة عهد الخلفاء الراشدين، والثالثة فترة الملك العضوض، والرابعة فترة الحكم الجبري "أي الحكم بغير ما أنزل الله"، والخامسة والأخيرة عودة الأمر خلافة على منهاج النبوة من جديد.[3]

 

               علاقة نظام الخلافة بأنظمة الملك والسلطنة

     كما تبين من الأحاديث السابق الإشارة إليها أن الرسول ﷺ تحدث عن أمور مستقبلية للنظم السياسية التي ستحكم العالم الإسلامي؛ ولو جمعت الآحاديث السابقة مع أحاديث أخرى تبحث في نفس الموضوع لاتضحت الصورة أكثر حول مفهوم الملك العضوض؛ وهل يدخل تحت مفهوم الخلافة أم لا؟  وعن أَبي هريرةَ – رضي الله عنه-  قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه ﷺ:  <<كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ>>، قالوا: يَا رسول اللَّه، فَما تَأْمُرُنَا؟ قَال: << أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلُوا اللَّه الَّذِي لَكُم، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم متفقٌ عليه>>.[4] وفي الحديث الآخر قوله: فتكثر. دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرًا، وأيضًا قوله: وفوا بيعة الأول فالأول دل على أنهم يختلفون؛ والراشدون لم يختلفوا، وقوله: فأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم دليل على مذهب أهل السنة؛ فى إعطاء الأمراء حقهم من المال والمغنم ، فمعاوية -رضى الله عنه- أفضل ملوك هذه الأمة، والذين كانوا قبله خلفاء نبوة، وأما هو فكانت خلافته ملكًا، وكان ملكه ملكًا ورحمة، وكان فى ملكه من الرحمة والحلم ونفع المسلمين، ما يعلم أنه كان خيرًا من ملك غيره، ومعاوية -رضى الله عنه- وإن كان عالمًا ورعًا عدلاً، دون الخلفاء الأربعة فى العلم والورع والعدل، كما ترى من التفاوت بين الأولياء؛ بل الملائكة والأنبياء، فإمارته وإن كانت صحيحة بإجماع الصحابة وتسليم الحسن - رضى الله عنهم- له؛ إلا أن خلافته ليست على منهاج خلافة من قبله، فإنه توسع فى المباحات، وتحرز عنها الخلفاء الأربعة، وأما رجحان الخلفاء الأربعة فى العبادات: والمعاملات فظاهر مما لا سترة فيه. وقد حدد ابن خلدون مدى التغير الذى حدث، فقرر أن الخلافة وإن كانت تحولت إلي ملك، فإن معانى الخلافة قد بقيت -بعضها- وإنما كان التغير فى الوازع فبعد أن كان دينًا انقلب عصبية وسيفًا؛ يقصد بذلك أنه بعد أن كان الناس يتصرفون بوازع الدين، والخلافة شورى، صار الحكم مستندًا إلى العصبية والقوة، ولكن معانى الخلافة أى مقاصدها وأهدافها بقيت أى أن غايات هذا الملك كانت لا تزال تحقق مقاصد الدين والحكم وفق الشريعة الإسلامية بالعدل وتنفيذ الواجبات التى يأمر بها الإسلام: أى أن الحكم أو الملك استمر إسلاميًا وشرعيًا.

 

                  الغرض من البحث في مسألة نظم الخلافة

الغرض من البحث في مسألة مفاهيم نظم الخلافة هو إزالة اللبس الذي يتعرض له كثير من المسلمين اليوم من الظن أن الخلافة سقطت بانتهاء الخلافة الراشدة. ولقد لخص ابن خلدون الأدوار التى مرت بها الخلافة فقال: "فقد تبين أن الخلافة قد وجدت بدون الملك أولاً، ثم التبست معانيها واختلطت بالملك، ثم انفرد الملك حيث افترقت عصبية الخلافة والله مقدر الليل والنهار"؛ فالدور الأول الذى يشير إليه ابن خلدون هو عصر الخلفاء الراشدين وهو عصر الخلافة الخالصة أو الكاملة، والدور الثانى فينقسم إلى قسمين الأول هو عصر الخلفاء الأمويين والعباسيين وهو العصر الذي اختلطت فيه الخلافة بالملك، والثاني هو عصر الملك المختلط بالخلافة -أي العصر العثماني- وكان الغرض من هذه النظم مهما اختلفت فيها طريقة اختيار الخلفية هو تحقيق مقاصد الخلافة، أما الدور الثالث فهو عصر الملك المحض الذى صار بقصد ذات الملك والأغراض الدنيوية، وانفصل عن حقيقة الخلافة أو معانيها الدينية، فهذا وصف أو تفسير ابن خلدون المؤرخ الفقيه للتطور الذى حدث والأدوار التى مرت بها الخلافة .

إن الخلافة الحقيقية أو الكاملة أو خلافة النبوة استمرت ثلاثين عامًا وهو عصر الخلفاء الراشدين، ثم تحولت إلى ملك عضوض، ولكن لكى نعبر عن الحقيقة يجب أن يراعى هذا التحديد، وهو أن الخلافة لم تنته أو تذهب كلية، وإنما بقيت معانيها أو مقاصدها، وأن التغيير حصل فى الأساس الذى قامت عليه، أما حقيقتها فقد بقيت، فالتغيير إذن لم يكن كليًا ولكن جزئيًا: أى أن الخلافة فى العصر الأول كانت هى الخلافة الكاملة المثالية، ثم نقصت عن المثال من وجه أو بعض الوجوه، لكن معظم عناصرها بقيت، فهى خلافة أقل في الرتبة أو خلافة مختلطة بالملك، والرأى العام فى الإسلام يتمسك بالمثال، أو خلافة النبوة، أو الخلافة الكاملة، وهى تلك التى تقوم على الشورى والاختيار التام من الأمة، وأنه إذا كانت الظروف الواقعية والعوامل الاجتماعية قد حتمت أو أدت إلى هذا التطور، فإن تحمل ذلك أو قبوله لا يكون إلا مؤقتًا أو من باب الضرورة، ولكن يلزم أن يكون المثل الكامل حاضرًا دائمًا فى فكر الرأى العام، وبمجرد أن تزول تلك العوامل والظروف تجب العودة إلى تحقيق المثل الكامل، ولذا فإن الكتابات الإسلامية الأصيلة ظلت ملتزمة ومتشبثة بالمثال الكامل ولا تستخلص مبادئها إلا منه، وتفرق بين الخلافة وهى الخلافة الحقيقية الشرعية، والخلافة الواقعية في نظاميها الملوكي والسلطني وهي النظم التي بعدت قليلاً أو كثيرًا عن الحقيقة. وقد ذكر ابن تيمية: أن مصير الأمر -أى الخلافة- إلى الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة والأمراء ليس لنقص فيهم فقط، بل لنقص فى الراعى والرعية جميعًا، فإنه كما تكونوا يؤوَّل عليكم وقد قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعام: 129]. لقد ذهبت دولة الخلفاء الراشدين، وصار ملكًا ظهر النقص فى الأمراء، وكذلك فى أهل العلم والدين وجمهور الصحابة- رضوان الله عليهم- انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يبق من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا فى أواخر عصر أصاغر الصحابة – رضي الله عنهم- فى إمارة عبدالله بن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعى التابعين انقرضوا فى أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية .وقد روى جابر بن سمرة رضى الله عنه: دخلت مع أبى على النبى ﷺ، فسمعته يقول: <<إن هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة>>، قال: ثم تكلم بكلام خفى علىَّ، قال: فقلت لأبي: ما قال، قال: <<كلهم من قريش>>، زاد أبو داود فى سننه، بإسناده عن جابر رضى الله عنه قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: <<ثم يكون الهرج >>. وقد شرح ابن كثير هذا الحديث فقال: ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثنى عشر خليفة صالحًا يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى -رضى الله عنهم-، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بنى العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدى المُبشَّر به فى الأحاديث الواردة بذكره. وليس هذا بالمنتظر الذى تتوهم الشيعة الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامراء ، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الأثنى عشر الأئمة الاثنى عشر الذين يعتقد فيهم الشيعة الجعفرية فإن هؤلاء لم يكن منهم خليفة سوى الإمام علي بن أبي طالب وابنه الحسن-رضي الله عنهما- فقط؛ كما أن الثاني عشر منهم أسطورة كما سبقت الإشارة. وإضافة لمن ذكرهم ابن كثير نضيف خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين الحسن -رضى الله عنه-، وبالنسبة لمرحلة الخلفاء الاثنى عشر فإنه استنادًا إلى الوجه الذى ذكره ابن كثير، فإن هذه المرحلة تمتاز بأن مداها الزمنى يتخلل المراحل الأخرى كلها، وخلفاء. هذه المرحلة يكون ظهورهم فى الأمة متتابعًا ومتفرقًّا وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمهّ- ويبدأ ظهورهم من وفاة الرسول ﷺ أى بخلافة أبى بكر -رضى الله عنه-، وتكتمل هذه المرحلة بظهور آخرهم فى آخر الزمان حيث يعقب خلافته الهَرْج، وقد ذكر ابن كثير أن من خلفاء هذه المرحلة سادس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، ولما كان معاوية -رضى الله عنه- الصحابي أفضل من عمر بن عبد العزيز التابعي فهذا يعنى دخول معاوية -رضى الله عنه- فى خلفاء هذه المرحلة الأثنا عشر، هذا والله تعالى أعلم.[5]

 

             الفترة المثالية: الخلافة الراشدة

في هذه الحالة ، وبعد ثلاثين عامًا تحولت الخلافة إلى ملك عضوض أي إلى أسرة عاضة على ملك الخلافة، وعلى الرغم من أن الخلافة الملوكية تقترب أكثر من نظام خلافة الشورى حيث جمعت بين الشورى وولاية العهد والبيعة، إلا أنها قد فقدت ميزة كونها فترة مثالية بالمعنى الكامل لمفهوم الخلافة الراشدة؛ لذلك يمكن أن نطلق على هذه الفترات "الشكل الأدنى للخلافة" أو "فترات خلافة الملك والسلطنة". ففي عهد الخلفاء الراشدين، الذين طبقوا الإسلام بقيمه المثالية؛ استندت الخلافة إلى الشورى المطلقة عبر ممثلين للأمة. مع مرور الوقت وتغيير بعض الظروف السياسية والاجتماعية تغير أسلوب اختيار الخليفة كضرورة لرأب الصدع بين الأمة بعد الفتنة الكبرى فنجد أن الخلافة استندت إلى أسرة عاضة على الملك يعين منها ولي للعهد وعلى الأمة أن تقبله أو ترفضه؛ لكن لا يحق اختيار الخليفة من خارج هذه الأسرة كالأمويين والعباسيين الأوائل؛ فعرفت هذه الفترة بالخلافة الملوكية؛ ثم تبع ذلك أن يتم اختيار الخليفة عبر التعين بولاية العهد وعلى أهل الحل والعقد قبوله أو رده دون مشاركة الأمة في اختياره وهذا ما عرف بخلافة السلطنة كالعثمانيين. [6]تناولت المصادر الإسلامية موضوع الخلافة بالتفصيل وميزت بين فترات الخلافة الثلاث؛ إلا أن فترة النظام السياسي للخلافة الراشدة في كون الشورى هي الأساس تعد هي فترة الخلافة الحقيقية التي يجب أن يقاس عليها ويحتذى بها؛ ولطالما ميز المسلمون بين الخلافة الحقيقية وخلافة الملك والسلطنة.

 

                          الخاتمة

لا شك أن أفضل نظم الخلافة نظام خلافة الراشدين القائم على الشورى الذي كانت الأمة تختار فيه الخليفة من بين أفرادها حتى وإن كان من عامة الناس وتشارك في الموافقة عليه أو رده بنسبة تامة؛ولا يوجد فيه أسرة عاضة على الحكم في هذه الفترة. وقد تبع هذه الفترة نظام الخلافة الملوكية على يد الدولتان الأموية والعباسية وفي هذا النظام تم الجمع بين خلافة الشورى والملك؛ عبر الأسرة العاضة على الحكم وولاية العهد والاختيار من بين أفرادها؛ فالخلافة هي الأصل والملك هو التابع لها عند ضرورة الأمر الواقع؛ وقد كانت الأمة تشارك في اختيار الخليفة مشاركة جزئية. أما في خلال العهد العثماني فتم انشاء نظام سياسي آخر للخلافة وفقًا للوضع السياسي في ذلك الوقت؛ حيث جمعت الخلافة بين نظامي السلطنة والخلافة وكانت السلطنة هي الأصل صاحبة السلطان الزمني "السياسي" والخلافة هي الملحق الروحي للسلطنة في هذا النظام؛ وكانت الأمة لا تشارك في اختيار الخليفة بل يعين من قبل السلطان السابق في حياته وليًا للعهد أو أكثر ويعرف باسم الشاه زاده ويوافق عليه أهل الحل والعقد في عاصمة الخلافة بمشاركة شيخ الإسلام.

وقد حرمت الأمة من المشاركة الكلية في اختيار الخليفة كنظام خلافة الشورى ومن المشاركة الجزئية في اختياره كنظام الخلافة الملوكية وأصبح قبوله أمرًا واقعًا تقر به سواء قبلته أم لم تقبله؛ وبذلك لم تعد الأمة تشارك في اختيار الخليفة الذي يحكمها ويمثلها في نظام خلافة السلطنة. في ضوء كل هذا كانت روح الخلافة التي توحد الأمة وتحافظ على مفهوم قوله تعالى: " إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ "[7]قائمة مستمرة؛ وكان مفهوم أرض المسلمين غير المجزئة لا يزال قائما، ولم يكن ثمة فارق بين أعراق المسلمين على أساس اللون أو العرق؛ وأنهم مهما اختلفت أعراقهم واجب عليهم الدفاع عن أرض بعضهم البعض؛ لأنها وفقًا لهذا الزمان تعد كل أرض الإسلام أرضهم. حتى أن السلطان الخليفة العثماني -التركي- كان يعتبر البلدان العربية بلاده؛ وكان الخليفة هو المسؤل عن المسلمين في كافة بقاع الأرض وأمام أمم الأرض؛ ويسأله المسلمون في كل ما يخصهم؛ وكان اقتصاد الأمة واحد؛ وكانت الشريعة مطبقة؛ مهما حصل من خلل في تطبيقها أحيانًا. لهذا لم تسقط الخلافة بتغير نظام اختيار الخليفة؛ فقد ظلت قواعدها المتعارف عليها كما هي في نظم الخلافة السياسية الثلاث؛ إلا أن طريقة تعيين واختيار رأس الخلافة صاحب الإمامة الكبرى للمسلمين قد اختلفت. لهذا لا يجوز الزعم بانتهاء نظام الخلافة بانتهاء عهد الخلفاء الراشدين لأن هذا تكذيب للأحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول ﷺ؛ فإذا كنا عاجزين عن إقامة نظام خلافة مثالي في عصرنا الحالي، فمن المهم أن يكون المسلمون تحت سقف واحد يجمعهم؛ كما قال تعالى: "وَاِنَّ هٰذِه۪ٓ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَاَنَا۬ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ"[8]

الكلمات الدالة: "الخلافة ، خلافة:  الشورى و الملوكية و السلطنة ، أهداف نظام الخلافة"

 


[1]أبو داود، السنن، 12 / 259.

[2]  الترمذي، السنن، 6 / 395-397.

[3]علي محمد الصلابي ، خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين الإمام حسن بن علي بن أبي طالب شخصيته وعصره، ترجمة جيفرين هارون أونال وآخرون ، منشورات رافزا، اسطنبول ، 2018 ، ص 418 ، 419.

[4]البخاري، الصحيح، حديث رقم: 3455.

[5]علي محمد الصلابي، أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي، ص 420.

[6]الصلابي، أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي، ص 420.

[7]  سورة الأنبياء، 21/92.

[8]  سورة المؤمنون، 23/ 52.

Be the first to comment .

* * Required fields are marked