Sosyal Medya

السياسة

أبعاد الأزمة السياسية في السودان

فمنذ إنفصال الجنوب أصبح السودان يعاني في مصادر الدخل التي كانت تشكل نسبة 90% من ميزانية الدولة وهي البترول والغابات الغنية بمواردها والتي ذهب 80% منها إلي دولة جنوب السودان ، مما أدي إلي تفاقم الأوضاع الإقتصادية

الكاتب: مرزوق جمعة

 

لم يكن تعدد الأقاليم والتعدد السياسي والثقافي في السودان  مصدر قوة إنما أصبح نقطة ضعف يستغلها العديد من الأطراف سواء كان داخليا أم خارجيا  لخلق  النزاعات الأزمات السياسية علي المستوي القومي بالدولة أو حروبات إثنية علي مستوي الأقاليم . فمنذ استقلال البلاد لم يسلم من النزاعات والصراعات السياسية أبرزها أدي إلي انفصال جنوبها علم 2011 وفق اتفاقية السلام الشامل التي تم توقيعها بين حكومة السودان برئاسة عمر حسن أحمد البشير والحركة الشعبية برئاسة الدكتور جون قرنق عام 2005م.

 

فمنذ إنفصال الجنوب أصبح السودان يعاني في مصادر الدخل التي كانت تشكل نسبة 90% من ميزانية الدولة وهي البترول والغابات الغنية بمواردها والتي ذهب 80% منها إلي دولة جنوب السودان ، مما أدي إلي تفاقم الأوضاع الإقتصادية أدي ذلك إلي خلق أزمات سياسية جديدة بالبلاد كانت نتيجتها بداية الثورة الشعبية عام 2013 والتي تعتبر بداية البحث عن التحول الديمقراطي وقومية المشاركة في حكم البلاد. أدي ذلك إلي إسقاط  نظام عمر حسن أحمد البشير في 2019 ، لكن سرعان ما تجدد الصراعات بين الأحزاب السياسية التي كانت تقود تلك الثورة والمكون العسكري التي تري نفسها أنها الضامن والشريك الأساسي  للثورة مما أدي إلي تشكيل حكومة انتقالية من مجلسين وهما المجلس السيادي الذي يملك صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتهاء الفترة الانتقالية والتي يرأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان والمجلس الوزاري التي يرأسها الدكتور عبدالله حمدوك، لكن حالة التعجل التي رافقت الثورة السودانية، التي كان السلام أحد أهم شعاراتها، جعلت النخب السياسية السودانية تدمج شرق السودان مع الحركات المسلحة من إقليم دارفور على الرغم من أنه لم يعلن تمرداً مسلحاً منفصلاً على الحكومة تاريخياً، لكنه كان ضمن التجمع الوطني المعارض لنظام البشير. حيث تعتبر أزمة شرق السودان هي الأزمة السياسية الأبرز في الساحة السياسية في السودان الأن بالإضافة إلي الأزمة بين المكون العسكري والمكون المدني بشأن التحول الديمقراطي في البلاد.

 

تكتسب أزمة شرق السودان أهميتها من كونها مؤثرة في مستقبل التحول الديمقراطي في السودان، وتهدد كيان الدولة ذاتها .

ورغم كل هذا التعقيد في الموقف وتداعياته السياسية والاقتصادية ما زالت المعالجات السياسية من جانب المجلس السيادي والحكومة لهذه الأزمة الحادة قاصرة، ولا تهتم بعنصر الوقت الذي يشكل عاملاً إضافياً في تعقيد وتركيب المشكلة، وهي الحالة التي قد تكون مطلباً في حد ذاتها لأحد أطراف الصراع على السلطة في السودان.

 

        أزمة الشرق مشكلة ثلاثية الأبعاد


الملامح الرئيسة لأزمة شرق السودان تبدو داخلية، فهي تعكس مشكلة ثلاثية الأبعاد، تكمن أولاً في التنمية غير المتوازنة في دول العالم الثالث بشكل عام، وثانياً هي تعبير عن استبعاد تاريخي لما يسمى سودانياً بالهامش، وثالثاً هي انعكاس لتفاعلات خارجية على المستويين الإقليمي والدولي.
ويمكن القول، إن تداعيات التنمية غير المتوازنة قد أنتجت أزمات مفصلية في السودان مؤثرة في سلامة الدولة تاريخياً منها أزمة جنوب السودان وأزمتا دارفور وجنوب كردفان اللتان أضيفتا إليهما شرق السودان التي تتفاعل حالياً إلى حد المساهمة في شح الإمدادات الحيوية للدولة، والتأثير في الإمدادات الغذائية والصحية، وذلك لكون إقليم شرق السودان يملك كل الموانئ التي تربط السودان بالعالم الخارجي.

 

أما على المستوى السياسي وقد كان إدماج حكومة الثورة لمسار الشرق ضمن اتفاقات السلام، بهدف إعلان النجاح في أهم أهداف الثورة وهو السلام، فتم توقيع الاتفاقية شبه الشاملة، التي حملت عنوان اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر 2020، لكن المشكل الرئيس فيها أن الأطراف التي مثلت شرق السودان مُختلف عليها، فيما يتعلق بمدى تمثيلها للإقليم، من هنا جاء رفض هذا المسار بالكلية من جانب المجلس الأعلى لقبيلة البجا والعموديات، حيث تصاعد التوتر السياسي بشأن مسار الشرق.

 

وبطبيعة الحال تمتلك أزمة شرق السودان عدالتها نتيجة حالة التهميش التنموي، لكن ذلك لا ينفي توظيفها السياسي على المستوى الداخلي في المرحلة الراهنة، نتيجة تصاعد مستوى الاحتقان في العاصمة الخرطوم بين مكونات المجلس السيادي الذي يملك صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتهاء الفترة الانتقالية، فالمكون العسكري في هذا المجلس يبدو أنه يقاوم حتى الآن أن يكون شريكاً في صناعة القرار، ويسعى للهيمنة، خصوصاً أن أحد استحقاقات الوثيقة الدستورية، وهي تسليم رئاسة المجلس السياسي للمكون المدني الشهر المقبل، وذلك رغم تعهدات الفريق عبد الفتاح البرهان برعاية التحول الديمقراطي حتى نهاية المرحلة الانتقالية في عام 2024 للأمين العام للأمم المتحدة.

 

              تداعيات اقتصادية


وعلى المستوى الاقتصادي، فإن إغلاق ميناء بورتسودان، يحرم البلاد من الوقود المستورد عبر خط الأنابيب وعبر شاحنات الصهاريج، اللذين يوفران الاحتياجات للديزل بنسبة 60 في المئة و40 في المئة للبنزين بخلاف غاز الطهي. وكذلك يسفر إغلاق خطي أنابيب البترول عن شح إمدادات الوقود للسودانيين بنسبة 50 في المئة، وسيؤثر في مصفاة الخرطوم التي تكرر نصف حاجة السودان من النفط، وهو ما قد يفاقم من وطأة شح الوقود، كما تعتمد مصفاة الخرطوم على 10 آلاف برميل يومياً من جنوب السودان مجاناً التي تمنح للسودان جراء برنامج “الترتيبات المالية لانفصال الجنوب عن السودان”، وذلك فضلاً عن عوائد معالجة ونفط الخام التي تصل إلى 9 دولارات عن كل برميل مما يزيد من الأزمة الإقتصادية التي يعيشها البلاد.

 

أما على مستوى دولة جنوب السودان، فإنها تصدر 125 ألف برميل نفط يومياً إلى ميناء بورتسودان للتصدير، تشكل عوائدهم 98 في المئة من الموازنة في جنوب السودان، وهي الموازنة المحققة للاستقرار السياسي النسبي في جوبا، بما يعني أن فقدانها يشكل ضغوطاً سياسية قد تتحول إلى احتجاجات في وقت تبدو المعادلات السياسية حرجة تحت مظلة توازنات تنفيذ اتفاقية السلام المنشطة بين أطراف الأزمة في جنوب السودان.


أما على صعيد العلاقات السودانية و دولة جنوب السودان فإن فقدان سيطرة المركز في الخرطوم على إقليم شرق السودان يعني أن يتوجه الجنوب ربما على المدى المتوسط لدراسة خيارات أخرى، منها تصدير البترول عبر كينيا، وهي خطة كانت مطروحة في السابق، وخطورة تنفيذها أنها تجعل جنوب السودان أكثر ارتباطاً بدول شرق أفريقيا عن شمال السودان، وهو ما يعرض البلاد لمخاطر استراتيجية مستقبلا.

 

بصورة عامة، يبدو تحرك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أخيراً، بشأن تكوين لجنة للحوار مع المكون العسكري الذي علق التفاعل مع المكون المدني خطوة قد تقود إلى تهدئة الأوضاع التي تتطلب إرادة سياسية من الجميع حتى يتم ضمان مستوى متوسط من الاستقرار السياسي في السودان، هو المطلب الذي يلقي دعم المستويين الإقليمي والدولي، نظراً لما يمثله عدم الاستقرار من تهديد للجميع داخل السودان وخارجه .

Be the first to comment .

* * Required fields are marked