Sosyal Medya

السياسة

هل توجد مشكلة جوع في بابوشارك (الفاو)؟

"مع انسحاب الخلافة العثمانية من هذه الجغرافيا، لم يكن هناك إراقة في الدماء والألم في هذه الجغرافيا. فبذل الإمبرياليون على وجه الخصوص قصارى جهدهم لمنع الناس في هذه الجغرافيا من النهوض في شتى المجالات"

الكاتب: أبو معصوم مجاهد
المترجم: د.خالد إمام
 
أعلنت منظمة الأغذية العالمية (الفاو) عن تقاريرها لعام 2021. نصف العرب يتضورون جوعا. هذا التقرير في الواقع يجعلنا نفكر. بينما يعاني بعض العالم من السمنة ، يتضور بعضهم جوعاً. يعيش 800000 شخص في العالم تحت عتبة الجوع. يعاني أكثر من مليار شخص من السمنة (الوزن الناتج عن الإفراط في التغذية). أكبر مشكلة في أوروبا وأمريكا الشمالية هي السمنة. لقد خلق الله ما يكفي من الغذاء لكل الناس في العالم. ومع ذلك؛ لأن الناس لا يمتلكون حق الاستفادة من النعم والموارد الطبيعية التي أوضعها الله في أرضهم، يأخذها الآخرون منهم بالحيلة والمكر؛  وبينما يموت بعضهم من الجوع ، يتسبب البعض الآخر في الإفراط في الاستهلاك. والسبب في هذا الوضع بهذه البلدان والمجتمعات التي نعرفها بأنها فقيرة؛ أنها تمتلك الثروات، وأن الغنية منها في الواقع تستولي على الموارد الطبيعية بهذه البلاد الفقيرة؛ وتحتكرها لنفسها. كذلك انتشر بين أناس كثر بالمجتمعات الكسل.
مع انسحاب الخلافة العثمانية من هذه الجغرافيا، لم يكن هناك إراقة في الدماء والألم في هذه الجغرافيا. فبذل الإمبرياليون على وجه الخصوص قصارى جهدهم لمنع الناس في هذه الجغرافيا من النهوض في شتى المجالات. إنهم يخدعون الناس ويستغلونهم عبر النفاق الظاهر بالعيون وبالكذب. فتم غزو العراق بحجة أنه كان به أسلحة كيماوية؛ فحوّلوه إلى حمام دم. ولأن الحكومة السورية النصيرية تضطهد شعبها؛ يساعدونها من أجل استنزاف موادر سوريا. وفي مصر ثار الشعب على الحاكم الطاغية مبارك. ثم أتت الديمقراطية بمحمد مرسي الذي أخذ نسبة 51٪ من الأصوات؛ فقام الغرب والإسرائيليين بتدبير انقلاب عسكري ضد الرئيس المنتخب "د.محمد مرسي". وفي ليبيا بدأ الحاكم الطاغية الشيعي الإسماعيلي حربًا أهلية كأحد طغاة المنطقة ضد شعبه. ثم بدأ مخطط الفتنة يتسرب إلى اليمن وسفكت الدماء فيها،  ثم خلقوا عدة تنظيمات مسلحة في الصومال لنشر الفوضى به؛ وأغرقوه بالدماء والدموع. أما في السودان، فبعد اسقاط الطاغية الحاكم، حدث فراغ في رأس السلطة؛ فتم تسليم الحكم للشيوعين؛ لأجل تفتيت السودان؛ مما تسبب في حدوث ارضطرابات داخلية به. وأما عن الطغيان لدولة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ فحدث ولا حرج؛ ويكأن العالم العربي ليس جائعًا من نقص الطعام؛ بقدر جوعه للدماء والدموع. ومن الغطرسة لدى الغربيين:" أن تتضور جوعًا وتعلن ذلك في نفس الوقت". فهل أصدرت الأمم المتحدة أي صوت عندما تم احتلال هذه الأماكن؟ هل يسمع أحد عن أي منظمة تابعة للأمم المتحدة تعترض على هذه المجازر؟ بل على العكس من ذلك يعلنون مجيء القاتل إلى الجنازة؛ ويبكون معه على من قتلهم. إنهم يسخرون من معاني الإنسانية.
بالنسبة للحكماء الغربيين، فإن أقوالهم تشهد على عدائهم للعالم الإسلامي. ففي عام 2001 أعلن مسؤول الشؤون الخارجية للولايات المتحدة  كينتينيز بافز:"إذا كان بإمكاننا اتخاذ الاحتياطات اللازمة؛ فما الذي يمنعنا من تغيير حكومات ومجتمعات 48 دولة من المغرب إلى إندونيسيا". مع الأسف قد وقعت الأمة في حب جلاديها. عندما قال هذا، كان يجب على كل هذه الدول الإسلامية أن تعلن الحرب على الولايات المتحدة. أين تلك الحكومات الغيورة على كرامتها؟ أين الشعوب التي أخذوا منها حقوقها؟ ناهيك عن الحرب فيما بينهم. وتنافس القادة الإقليميون للمشاركة في BOP "مشروع الشرق الأوسط الكبير". أصبحت الشعوب أيضًا تابعة للقادة. والنتيجة دم ودموع وفوضى وجوع. 
العدو دائما هو العدو. يقول المثل التركي:" إذا ركد الماء؛ فالعدو لا ينام". إذا لم نحارب لحماية القيم التي لدينا، إذا لم نعزز أخوتنا، إذا لم نتصرف كما أمر الله، فسوف نقع في براثن هذا الوضع؛ ولن نتمكن من الخروج منه. وكما قال الله تعالى في سورة الأنفال: 
 
"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿46﴾"
 
في عالم 2021 كان يعاني 810 مليون شخص من الجوع. وفي المنطقة العربية  يعاني 13.5 مليون شخص في اليمن، و 12.5 مليون في سوريا، و 10 ملايين في السودان من الجوع. كانت الجغرافيا التي يعيش فيها العرب ذات يوم موضع حلم ليالي ألف ليلة وليلة للعرب، وهي منطقة أثارت شهية الغربيين بوفرة وخصوبة مواردها. السبب في أن منطقة بابوشارك " الفاو" كانت ذات يوم منطقة لم يكن فيها مشردون بلا مأوى؛ ولا أناس جائعون (في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز) ، فقد أصبحت اليوم منطقة يتجول فيها الجوع والبؤس؛ بسبب الصراعات الداخلية. فعن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :<< يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت>>؛ رواه ابو داود، السنن، ج4، حديث رقم:111.
الإحتلال سببه الاضطرابات الداخلية وعدم كفاءة الحكام في حل مشاكل البلاد، مثلما أعتنقنا الإسلام بالأمس، وتخلصنا من الساسانيين الفرس المجوس القوى العظمى في ذلك الوقت، وهزمنا بيزنطة؛ وجلبنا العدالة إلى العالم. يمكننا اليوم أن نعود مرة أخرى للإسلام ونحقق ذلك. القرآن هو دليلنا الواضح في هذا الصدد. والواقع أنه ورد في سورة  التوبة هذا المعنى في قوله تعالى: 
 
"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴿14﴾"
 
وقال تعالى أيضًا في سورة آل عمران: 
 
"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿103﴾"
 
 إن وصولنا إلى الطريق الصحيح يعتمد على كون العرب إخوة، وكم كان محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي يتضور جوعًا؛ يرسل المساعدة للجوعى والمحتاجين. وهذه هي رسالته ورسالتنا إلى مناطق الجوع في العالم ؛عندما كنا سادة هذه المواقف وأنقذنا البشرية.
وكما قال تعالى في سورة البقرة:
 
"مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿261﴾"
 
فإعطاء الإنسان قوت يومه؛ والإيفاء بحقوق العمال. ووإيفاء العامل بحق عمله؛ حينها لا يمكن أن يظل أي إنسان جائع؛ وآخر ومنتفخ . وبيّن ما تم إنجازه عند دراسته بالمساحات الزراعية المزروعة (الحديثة والكبيرة) التي أقيمت في صحراء المملكة العربية السعودية؛ ومشروع القذافي الكبير للغاية في استخراج المياه الجوفية في الصحراء وحملها بأنابيب بطول 4000 كيلومتر؛ والقيام بالزراعة في الشمال الليبي؛ بيد أن المشروع لم يكتمل؛ كانت محاولات لا بأس بها نوعًا ما في النهوض؛ وإن كان ينقصها النية الصحيحة والإرادة والعزم على الدوام.
عندما كان هناك جوع في الصومال في التسعينيات، قال العلماء الصوماليون: "سبب الجوع هو أوروبا الإستدمارية". هناك نوعان من الناس في العالم ، جيدين وسيئين. الأشخاص السيئون لا يفكرون إلا في أنفسهم. يفكر الشخص الصالح في رفاهية الآخرين. العقلية الغربية اليوم لا تفكر إلا في نفسها. إنهم مجتمع يحرق العالم؛ لأجل طهي ما يشتهون. إن منع الشر؛ يعني تقدير ما لدينا؛ وأن نكون أقوياء تمامًا؛ حتى لا نعطي السيئ فرصة التحكم فينا. العرب من أبناء بابوشارك " الفاو" تخلوا عن ميراث الرسول –صلى الله عليه وسلم- ، واستقر حب الدنيا في قلوبهم. ولم يعد أعداؤهم يخافون منهم. تخلوا عن الأخوة فيما بينهم، واضمحلّت دولتهم.
لقد أصبحوا مجتمعًا خدعه الأعداء. وتدمره الإمبريالية الإستخرابية التي تمتص خيرات البلدان؛ إما بالحرب أو بالصراعات الداخلية. لهذا ظهر عالم غير عادل في نهاية فترات الاحتلال. والمفكر التركي نجيب فاضل قد وصف حالة تركيا قديمًا  وكيشاكوريك " الفاو" والعالم اليوم بجملة بليغة حيث قال:
"تسعة أقسام  لشخص واحد ، و قسم واحد لتسعة  أشخاص. فالذئاب لن تقبل هذا التقسيم فيما بينها، بينما الحملان تقبل  فقط."
لقد شرح نجيب فاضل العقلية الغربية بوضوح شديد. السبب الرئيس للوضع الحالي الذي وقع فيه العرب هو الاضطرابات الداخلية والفتن بين أنفسهم؛ وعدم قدرتهم على الاستفادة من الموارد الطبيعية لديهم. تقع الجغرافيا التي يعيش فيها العرب في نقطة إستراتيجية للغاية؛ حيث تتقاطع ثلاث قارات. حقيقة أن موقع العرب الجغرافي في هذه المرحلة يزيد بشكل خاص من شهية القوى التي تريد السيطرة على العالم. عندما يضاف إليهم حقيقة أن أرضهم غنية بالنفط والغاز الطبيعي، فإن هذا يثير شهية الغربيين الجشعين؛ ذوي العقلية الشريرة، ويقومون بنهب هذه الأراضي في مناسبات مختلفة.
فلنعيد الإيمان  كما قال الله تعالى في سورة النساء:
 
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿136﴾"
 
دعونا نغير هذا العالم. دعونا نبني عالما يوجد فيه حق ول عدالة وخالي من الاضطهاد. كما قال الأستاذ الراحل المرحوم نجم الدين أربكان:" إذا فهم الناس أهمية النظام، فسوف يتركون كل وظيفة وسلطة، ويغيرون النظام الداخلي أولاً فيما بينهم؛ كي يستطيعوا تغير النظام العالمي. دعونا نتخلى عن الوهن الذي فينا؛ من أجل إنشاء نظام عالمي جديد؛ فلنغير ما بأنفسنا؛ كي يشملنا الله بإحسانه".
 

Be the first to comment .

* * Required fields are marked