Sosyal Medya

السياسة

هل باعت أمريكا اليونان؟

أما أمريكا وروسيا وأوروبا فكل منهم يسعى لمصالحه الجيوسياسية والإستراتيجية في شرق البحر المتوسط، من مصلحة أمريكا وأوروبا أن تسيطر اليونان على المناطق البحرية كاملة في شرق البحر المتوسط حتى تتمكن شركات تنقيب الغاز والنفط الأوروبية والأمريكية

د. محمد عبد الحميد

 

في السنوات العشرين الأخيرة وبعد سلسلة من الاستكشافات لاحتياطات هائلة من آبار غاز تُقدر بمئات المليارات من الأمتار في شرق البحر المتوسط، هناك صراع على السيطرة على هذه الحقول بين دول تسعى للسيطرة المطلقة على هذه الآبار مثل اليونان التي لا تعترف بحقوق تركيا البحرية تحت ذريعة سيطرتها على معظم جُزر بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، بينما تعترض تركيا على هذه الذريعة وترد بأن الدول الأرخبيلية مثل اليونان لا يمكن لها أن تفرض شروطها على دولة تملك أكبر مساحة من الشواطئ على البحر المتوسط.

 

لم يكن الصراع في حقيقته بين اليونان وتركيا، بل تدخلت فيه عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية وصراع على السيطرة على أسواق الطاقة والغاز في العالم، يدرك اليونانيون أن سيطرة تركيا على "الوطن الأزرق" MAVİVATANسيحرمهم من السيطرة المطلقة على غاز شرق المتوسط، ولكن أيضا – وهذا هو الأهم – سيفشل خططهم التي تهدف إلى حصار تركيا والأتراك في الأناضول وإقصائهم عن البحر المتوسط، وهي الخطوة الأولى لطردهم من الأناضول بالكلية إذ إن حلم اليونان التاريخي والديني يتمثل في استعادة إسطنبول التي لا يزالون يسمونها بـ"القسطنطينية" حتى يومنا هذا.

 

أما أمريكا وروسيا وأوروبا فكل منهم يسعى لمصالحه الجيوسياسية والإستراتيجية في شرق البحر المتوسط، من مصلحة أمريكا وأوروبا أن تسيطر اليونان على المناطق البحرية كاملة في شرق البحر المتوسط حتى تتمكن شركات تنقيب الغاز والنفط الأوروبية والأمريكية مثل "إكسون موبيل" الأمريكية و"بي بي" الإنجليزية ، و"إيني" الإيطالية" و"توتال" الفرنسية للحصول بسهولة مطلقة على حق التنقيب واستغلال هذه الثروات الهائلة التي ستؤمن لهم الطاقة على مدار عشرات السنوات القادمة، فضلا عن الحصول على مليارات الدولارات من عائدات التنقيب والبيع.

 

الأهم بالنسبة للأوروبيين والأمريكان أن السيطرة اليونانية والإسرائيلية على غاز شرق المتوسط سيجعلهم يستغنون بصورة نهائية عن الغاز الروسي الذي يمد أوروبا من خلال طريقين؛ الأول الذي يمر في البحر الأسود إلى تركيا من خط السيل الجنوبي ، والثاني خط السيل الشمالي "نورد ستريم 2" من خلال بحر البلطيق ثم ألمانيا.

 

وقد أدركت تركيا خطورة هذه المخططات التي تهدف إلى الإضرار بمصالحها الإستراتيجية العليا في تأمين الطاقة، وفي توسيع رقعتها البحرية، وفي ضرب مخططات اليونانيين والأوربيين والأمريكان التي تسعى إلى حصار تركيا في الأناضول "البر" وإبعادها عن البحر، لهذا السبب قررت العمل على أكثر من اتجاه، فأعلنت عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا في شهر نوفمبر 2019م، ثم تسعى بكل جد إلى التقارب مع مصر لإعلان ترسيم الحدود بين الجانبين، ولكن القرار المصري في يد الأمريكان ولهذا السبب لا تستطيع مصر أن توقع على اتفاقية مع تركيا الآن.

 

حرصت تركيا على الإسراع في تكبير وتقوية الصناعات العسكرية، خاصة الصناعات البحرية، فأعلنت عن إنشاء أول حاملة طائرات وبناء العديد من الفرقاطات والغواصات، ثم مواجهة أطماع اليونان وحلفائها من الفرنسيين والأمريكان والبريطانيين بل والروس من خلال المناورات البحرية ومنع أي سفن للتنقيب فيما تراه أنقره حقها في "الوطن الأزرق" في شرق البحر المتوسط.

 

في يناير 2020م اتفقت كل من اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل على إنشاء خط غاز "EAST MED" لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي الرومي إلى اليونان ثم إلى أوروبا، وتوقيع هذا الاتفاق يعني عدم الاعتراف بـ"الوطن الأزرق" لتركيا، واستباحة المياه البحرية لتركيا في شرق البحر المتوسط والتي تعتبرها اليونان حقها الأصيل، وافقت أمريكا في أول الأمر على دعم هذا المشروع المهم لأنه سيجعل أوروبا تستغني عن الغاز الروسي على الرغم من الصعوبة التقنية العالية لتنفيذه بالإضافة إلى التمويل الكبير الذي قيل إنه سيبلغ ما بين 7 إلى 12 مليار دولار في وقت تشهد فيه أسواق الغاز منافسة شرسة وبسعر أرخص من هذه المبالغ العالية على تأسيس الخط.

 

لم تقبل تركيا منذ ذلك التاريخ تنفيذ هذا المشروع، ووقفت بكل قوة ضد التنقيب والتركيب من خلال سلاح البحرية التركية والطيران وقوات الجو والدرونات فضلا عن سلاح الحرب الإلكترونية الذي استطاع ردع المخططات الفرنسية التي حاولت إرهاب وإخافة تركيا من خلال دعم اليونان، كان التحدي الأكبر أمام تركيا حين وقّعت مصر واليونان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2020م مما جعل تركيا في مأزق، لكن خرج وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو قائلا بأن مصر احترمت السيادة البحرية لتركيا وهذا بالنسبة لنا كافي.

 

بعد أكثر من عامين وبعد سلسلة من التصعيدات العسكرية والبحرية قررت أمريكا التخلي عن دعم إنشاء خط إيست ميد الإسرائيلي القبرصي الجنوبي اليوناني بسبب التكاليف العالية، بالإضافة لعدم الصدام مع تركيا التي لا تزال تراها حليفة مهمة في الشرق الأوسط خصوصا ضد الأطماع الروسية المتزايدة، ولهذا السبب تريد أمريكا من تركيا أن تدخل في صدام ضد روسيا ليتم إضعاف الطرفين، لكن إذا كانت أمريكا تخلت عن هذا المشروع فإن فرنسا لا تزال تقف بكل قوة خلف اليونان وتدعمها بالسلاح ومقاتلات الجو من نوع رافال، وتسعى بكل قوة لكي تدخل تركيا في حرب ضد اليونان ومن خلفها أوروبا وعلى رأسها فرنسا، بل ربما تتآمر فرنسا مع روسيا وأمريكا ضد تركيا وهذا هو الواضح.

 

الأهم من ذلك أن أمريكا تنازلت عن دعم خط غاز إيست ميد، لكنها لا تزال تبني أكبر قاعدة عسكرية في اليونان قرب الحدود مع تركيا وهي قاعدة DEDE AĞوتحرض الدول الإقليمية مثل السعودية والإمارات ومصر ضد تركيا للضغط عليها سياسيا وإقليميا كي تقبل بالشروط الأمريكية، ولهذه الأسباب يمكننا القول إن أمريكا باعت اليونان في مشروع خط إيست ميد بسبب القوة العسكرية التركية، ولكنها لا تزال تتربص وتتآمر على تركيا لإدخالها في صدام ضد روسيا.  

Be the first to comment .

* * Required fields are marked