Sosyal Medya

الإسلام

القرآن الكريم بين الماضي والحاضر

من الحقائق المسلمة أن القرآن هو الكتاب الأكثر قراءة وحفظًا في العالم. إلى جانب ذلك ، فإن القرآن هو من أكثر كتب التي أهتم بها بحثًا ودراسة من المسلمين وغير المسلمين

د. خالد امام

       من الحقائق المسلمة أن القرآن هو الكتاب الأكثر قراءة وحفظًا في العالم. إلى جانب ذلك ، فإن القرآن هو من أكثر كتب التي أهتم بها بحثًا ودراسة من المسلمين وغير المسلمين. بينما يبحث البعض في القرآن الكريم لاكتشاف معانيه وتبيان أسراره ومقاصده، يبحث البعض الآخر عنه لمجرد الاستخفاف به أو لتزوير حقائقه المثبته. لأننا  نعلم جيداً أن الحرب بين الحق والباطل مستمرة حتى نهاية العالم. إذًا فالقرآن الكريم هو المصدر الرئيس للإسلام؛ فكيف وصل إلينا؟ هذا ما سوف نجيب عنه من خلال الأسطر القادمة.

أولاً: معنى كلمة القرآن

       كلمة القرآن تأتي من صيغة المصدر "القراءة" أي القراءة. والقرآن معنًا شاملاً لكل محتويات القراءة في العلوم الدنيوية والأخروية. وهو  كلام الله الذي نزل على نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- بالوحي؛ عبر آمين الوحي جبريل –عليه  السلام-، والذي نقل بالتواتر والإسناد عبر الصحابة –رضوان الله عليهم- من خلال كُتَابْ الوحي والحفظة. فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه المتلو المتعبد به في الصلوات وسائر العبادات. وكلام الله لا ينحسر في الكتب الإلهية المنزلة السابقة الأصلية كصحف نبي الله إبراهيم –عليه السلام وكالزبور والتوراة والإنجيل فقط؛ فكلام الله بهذه الكتب؛ ولكنه متكلم بغيرها لعباده عبر الآحاديث القدسية الوحي الغير المتلو؛ والوحي غير المباشر السنة النبوية الشريفة...وغيرهم في الرد على عباده وفي كلامه جل وعلا في حساب العباد يوم التغابن. فكلام الله مطلق غير مقيد كيفما شاء؛ وقتما شاء؛ غير أن رسالته التي تكلم بها إلينا كانت في عهده الأخير لعباده؛ ألا وهو القرآن الكريم. ففي حين أن لفظ القرآن ومعناه من عند الله بوحي واضح ، فإن معنى الحديث في السنة من عند الله، ولفظ الحديث من عند نبينا –صلى الله عليه وسلم-.

من الممكن تقسيم عملية نزول القرآن، التي حدثت بين الأعوام17 رمضان 13 ق.هـ/ 1 شباط 610 م – ربيع الأول 11هـ/633م  إلى فترتين. من حيث أحوال المسلمين، تنعكس كلتا الفترتين في الآيات التي نزلت. في أسلوب الآيات التي نزلت في مكة (القرآن المكية)؛ وهي الفترة الأولى. حيث لا توجد بشكل عام أي مسائل تتعلق بأحكام الشريعة. بينما تناولت آيات القرآن المكي إيضاح أمور العقيدة من التوحيد والإيمان وتاريخ الأنبياء –عليهم جميعًا وعلى نبينا الصلاة والسلام-. لأن المولى سبحانه وتعالى خلال هذه الفترة أراد أولاً أن يصحح عقائد المسلمين وغيرهم. ولكن عندما ننظر إلى الآيات التي نزلت في المدينة المنورة، وهي الفترة الثانية من نزول الوحي (القرآن المدني)؛ يتبين أن هناك العديد من الأحكام الشرعية التي نزلت مثل أحكام الميراث، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية، والجهاد، والأخلاق، والزواج، وأحكام اليتامي... وغير ذلك من سائر أحكام الدولة والمجتمع.

ثانيًا: لغة القرآن الكريم

            ولغة القرآن هي العربية الفصحة  العدنانية أي لغة قريش. بالمناسبة هنا يتبادر إلى الذهن سؤال! لماذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية العدنانية لسان قبيلة قريش؛ ولم ينزل بغيرها من لهجات العرب ؟! الجواب: لأن اللغة العربية العدنانية هي أفصح لغات العرب أوضحها نقاء وقوة وبلاغة عن غيرها من اللهجات العربية الأخرى. التي أثرت وتأثرات باللغات الأعجمية الأخرى كالفارسية واليونانية علي سبيل المثال؛ وكان ذلك زمن الإحتلال الفارسي الإغريقي الروماني لبلاد الشام والعراق ومصر؛ لهذا نجد العربيات الفصحة الأخرى الكلدانية والآرامية والسريانية والأكادية والكنعانية... وغيرها قد انتقلت منها كلمات إلى اللغات الأعجمية؛ ولم تستعمل في العربية العدنانية؛ فعدها عرب الحجاز وقت نزول القرآن الكريم كلمات غريبة على مسامعهم. لهذا أعتقد بعض العرب أن بعض هذه الكلمات ليست عربية. من ناحية أخرى أعتقد الفرس والرومان أن هذه الكلمات كلمات أعجمية لأنها كانت متداولة بلسانهم ولا توجد باللسان العربي العدناني؛ ومن أمثلة هذه الكلمات استبرق وسندس... وغيرها؛ لهذا السبب فإن القرآن الكريم أعاد هذه الكلمات إلى اللغة العربية العدنانية الصافية من جديد. وبذلك تحولت اللهجة العربية العدنانية إلى لغة شاملة احتوت سائر اللهجات العربية الأخرى الآكادية والآرامية والبونيقية والكنعانية والقحطانية والثمودية ...إلخ. وكان ذلك أحد أسباب شمول القرآن لعلوم التجويد والقراءات؛ لأن العدنانية تحولت من أحدى اللهجات العربية إلى أم اللغات العربيات القديمة.

ثالثًا: جمع القرآن ونسخه

يعتبر جمع القرآن الكريم ونسخه من الأمور المهمة للغاية من حيث الحفاظ عليه ووصوله إلينا بصيغته الأصلية. لكن بالرغم من أن كل آيات القرآن الكريم سجلت زمن نزول الوحي؛ إلا أنها لم توضع بين ضفتي غلافي المصحف في عصر الرسول-صلى الله عليه وسلم-. ولكن تم هذا العمل في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- 11-13هـ. حيث قام بجمع القرآن الكريم حفاظًا عليه من الضياع بناءًا على نصحية الصحابي الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه- وذلك بعد استشهاد كثير من الحفظة في معركة اليمامة؛ فخشي أن يضيع حفظ القرآن وطريقة نطقه المطابقة للرسم التوقيفي له المشهور بالرسم العثماني لليوم؛ ولقد أمر الخليفة الراشد الصديق –رضي الله عنه- أن يتم جمع جميع الصحف والمواد الأخرى المكتوب عليها آي القرآن من حجر وعظام وجلود وغيرها؛ وأن يشهد على صحتها شاهدين عدولاً؛ وكون لذلك لجنة جمع القرآن الكريم برئاسة كاتب الوحي زيد بن ثابت –رضي الله عنه- مع العبادلة " عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمرو بن العاص..." ووضعت نسخة هذا المصحف الإمام الأول في بيت أم المؤمنين حفصة –رضي الله عنها- عند موت الخليفة الراشد أبو بكر الصديق–رضي الله عنه-.  غير أن نسخة الصديق كانت تتميز بأنها تجمع بين القراءات بالأحرف السبعة على وجهين. مما سينتج عنه اختلاف القراءة بين الأعاجم والمستعجمين في العراق؛ واتهام غيرهم ممن يقرأ القرآن على حرف صوتي منزل غير حرف النزول الذي يقرأون به أنهم يصحفون في قراءة القرآن. وحدثت هذه الفتنة زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان ذي النورين 23-35 هـ.

وأتضحت آثار هذه الفتنة عندما أرسل الخليفة عثمان بن عفان-رضي الله عنه- الصحابي حذيفة بن اليمان لفتح أرمينية وأذربيجان؛ حينما أختلف جنده من أهل العراق مع أهل الشام حول قراءة القرآن؛ فأرسل على الفور رسالة إلى الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قال له فيها: " أدرك الأمة قبل أن تختلف اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم". وعلى الفور قام الخليفة ذي النورين عثمان –رضي الله عنه- بعمل لجنة جمع القرآن الثانية برئاسة زيد بن ثابت –رضي الله عنه- مرة أخرى لاستكمال مشروع مصحف الصديق. وطلب من هذه اللجنة أن يجمع القرآن بصورة تجعل كل حرف من الأحرف السبعة في نسخة واحدة مستقلة عن الأخرى وأن يجمع بين ضفتي كتاب. وأن يكتب على رق غزال؛ وأن ترسل كل نسخة تحتوي على حرف واحد من نسخة هذا المصحف الإمام إلى المصر القريب من لسانهم؛ ليتبينو قراءته؛ على أن يكتب القرآن بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم؛ وأن يحافظ على الرسم التوقيفي لكلمات القرآن كما كانت زمن نزول الوحي؛ فمثلاً كلمات حياة في القرآن تكتب بحرف الواو حيوة وكلمة الأقصا بسورة الإسراء تكتب بالهمز الحجازية الممدودة؛ وليس بالألف الحجازية اللينة...وهكذا؛ لما في ذلك من حفظ لعلمي القراءات والتجويد ولمنع تحريف القرآن الكريم؛ ولهذا اشتهر الرسم التوقيفي بالرسم العثماني؛ نسبة للخليفة الراشد عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ونسخ من هذا المصحف الإمام سبعة نسخ؛ كل نسخة تحتوي على حرف واحد للقراءة؛ وأرسلت هذه النسخ للأمصار المختلفة لينسخوا مثلها وتركت نسخة لأهل المدينة المنورة. وبذلك وأد الخليفة ذي النورين الراشد الفتنة في مهدها. وأمر بحرق المصاحف التي يختلط فيها بين التفسير وآي القرآن كنسخة مصحف عبدالله بن مسعود-رضي الله عنه- أو التي كتبت بلسان غير لسان قريش كنسخة مصحف قبيلة طيء؛ لمنع الفتنة عن كتاب الله. (لوحة:1).

اللوحة 1: صفحتين من نسخة المصحف الإمام للخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- بمتحف برمنجهام بإنجلترا

رابعًا: حفظ القرآن

وبعد نسخ نسخة المصحف الإمام مر القرآن بعدة مراحل كالتالي:

  • في العصر الأموي قام مروان بن الحكم بحرق نسخة الصديق أبي بكر-رضي الله عنه- لأنه كان غير مجموع بين ضفتين؛ كمصحف عثمان-رضي الله عنه-؛ فخشى وقت الفتنة أن يضع الزنادقة أو الخوارج بعض الألواح في حجرة القرآن ويقولون هذا من القرآن ولم ينقله الصحابة للمصحف الإمام؛ فيطعنون في صحة القرآن.
  • قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتكليف الحجاج بن يوسف الثقفي باستدعاء التابعي أبي الأسود الدؤولي تلميذ الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- وأمره بوضع الشكل على القرآن من الضم والكسر والفتح؛ فوضعه على شكل نقاط ملونة تخالف لون متن المصحف الأسود؛ حفاظًا على تلاوته؛ ومازالت هذه النسخة محفوظة بمتحف المخطوطات بالقاهرة؛ ثم دعى الإمام الحسن البصري؛ لوضع الألف الخنجرية الصغيرة أعلى الرسم التوقيفي للحفاظ على شكل القراءة الصحيحة للقرآن لدى المسلمين الأعاجم.
  • وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك 86-96هـ قام نصر بن عاصم الليثي عام 89هـ بوضع النقط على الحروف العربية بالقرآن بنفس مداد خط المصاحف باللون الأسود فصارت الباء تحتها نقطة والتاء يعلوها نقطتان والثاء ثلاث نقاط والجيم بقلها نقطة والخاء يعلوها نقطة وهكذا. ونصر بن عاصم هذا تلميذ أبي الأسود الدؤولي.
  • ثم قام العالم النحوي الخليل بن أحمد الفراهيدي ت.170هـ في بداية العصر العهباسي الأول بإعادة تطوير شكل حركات الإعراب فحعل الشدة رأس السين، وجعل الضمة واوًا، والضمتين للتنوين واوين أو ألفين متوازيين مائلين علويين أو سفليين للدلالة على الفتح والكسر، وجعل السكون دائرة الهاء المربوطة وهكذا. (لوحة:2).

 

وبذلك تحقق قول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجر الآية الـ (9):

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾

خامسًا: طباعة المصاحف المعاصرة

قام الأوروبيون بطباعة نسخ من المصاحف العربية في مطابعهم ممتلئة بالأخطاء؛ وأدت هذه النسخ المطبوعة إلى حالة من الغضب في العالم الإسلامي؛ فقام الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني 1876-1909م بتكليف مطبعة عثمان أفندي باستانبول بطباعة نسخ وفيرة من المصاحف بالرسم التوقيفي العثماني. وخالية من الأخطاء المطبعية. ومع الزمن انتشرت مطابع القرآن الكريم في استانبول والقاهرة ودمشق ومكة والمدينة... وغيرهم.

اللوحة 2: سورة الفاتحة حتى من مصحف ابن البواب الذي توفي في القرن الخامس الهجري (في متحف جستيربيتي في دبلن، أيرلندا)

سادسًا: أماكن أقدم مصاحف القرآن الكريم

أقدم المصاحف توجد في بعض البلاد  الإسلامية وغير الإسلامية. من بين هذه الأماكن يمكننا أن نذكر:

  • نسخة المصحف الإمام كاملة بمتحف قصر طوبقابي سراي باستانبول نقلها السلطان سليم الأول من القاهرة إلى استانبول؛ بعد ضمه مصر.
  • نسخة المصحف الإمام بدار الكتب المصرية؛ ولكن يوجد بها بعض الأوراق أكلتها الأردة.
  • نسخة المصحف الإمام بمتحف سمرقند بأوزباكستان.
  • نسخة المصحف الإمام بمتحف لندن في إنجلترا
  • نسخة المصحف الإمام التي استشهد عليها الخليفة الراشد عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ومازالت دمائه الزكية عليه للآن؛ وهي محفوظة بمتحف المتروبوليتان في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
  • نسخة مصحف أبي الأسود الدؤولي بمتحف المخطوطات بالقاهرة.
  • هناك بعض نسخ المصاحف المنسوخة في نهاية العصر الأموي ببعض مكتبات النجف وكربلاء بالعراق وبمتحف طهران بإيران ينسبها الشيعة إلى الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.

الخاتمة

القرآن الكريم هو كلام الله المتلو والمتعبد به وصفة من صفاته جل وعلا غير مخلوق؛ وهو الكتاب الوحيد الذي توكل الله جل وعلا بحفظه من يوم النزول إلى يوم البعث؛ وهذا خلاف كتب الأمم الأخرى التي وكل الله لها حفظ كتبها؛ فنسيت حظًا مما ذكروا به؛ فحرفت كتبها؛  وهكذا فإن القرآن هو الكتاب المقدس الوحيد الذي نجا حتى يومنا هذا من التحريف؛ ولقد نزل على قلب الرسول-صلى الله عليه وسلم- على مدار ثلاثة وعشرون عامًا؛ ثلاثة عشر بمكة وعشرة سنوات بالمدينة؛ مفرقًا غير منجمًا؛ لتأكيد اعجازه. وأعظم خدمة للقرآن في عصرنا هذا أن نقوم بتأدية الأمانة التي وكلت إلينا بنقل القرآن الكريم إلى الأجيال القادمة كما هو؛ وتعليمًا وحفظًا وفهمًا وتطبيقًا في الواقع العملي كمنهج حياة. جعلنا الله جميعاً ممن يقرأون القرآن ويتبعونه كمنهج حياة. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

Be the first to comment .

* * Required fields are marked