Sosyal Medya

الإسلام

معركة مرج دابق وأسباب هزيمة المماليك

لقد رأى العثمانيون بعد فتح القسطنطيينة في عام 1453م أن قوتهم أصبحت تتخطى قوة المماليك في القارة الأوروبية والبحر المتوسط، وقد تقاعس المماليك عن الدفاع عن مقدسات العالم الإسلامي وانهزموا أمام البرتغاليين في البحر الأحمر والمحيط الهندي

محمد عبد الحميد


في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي كانت العلاقات المملوكية العثمانية قد بلغت ذروة العداء، فقد قاتل المماليكُ العثمانيين في ثلاث معارك كبرى في زمن السلطانين بايزيد الثاني العثماني وقايتباي المملوكي، وقد استنزفت هذه الحروب المدمرة الخزينة المملوكية التي فقدت أكثر من مليون دينار ذهبي، بالإضافة إلى المئات من القتلى من الجانبين.


لقد رأى العثمانيون بعد فتح القسطنطيينة في عام 1453م أن قوتهم أصبحت تتخطى قوة المماليك في القارة الأوروبية والبحر المتوسط، وقد تقاعس المماليك عن الدفاع عن مقدسات العالم الإسلامي وانهزموا أمام البرتغاليين في البحر الأحمر والمحيط الهندي، بل وفوق ذلك راحوا يقيمون علاقات دبلوماسية مع الأعداء الخطرين الجدد وهم الصفويون الذين بدأوا ينشرون التشيع بقوة السيف في إيران والعراق وشرق الأناضول، ويقتلون السّنة، بل ويعملون على إقامة تحالفات عسكرية مع بعض القوى الأوروبية مثل البرتغال والفرنسيين.


الأهم من ذلك أن البنية الداخلية للدولة المملوكية كانت ضعيفة مفككة، والتناحر الداخلي بين الأمراء المماليك كان واضحًا، فقد كان يرسل العديد من كبار الأمراء المماليك مثل خاير بك وجان بردي الغزالي وغيرهم من أمراء حلب ودمشق آخر المستجدات الداخلية في الدولة المملوكية إلى العثمانيين ويطلبون منهم سرعة التدخل وضم مصر والشام إلى الدولة العثمانية، بالإضافة إلى عامة الناس وعلمائهم الذين أرسلوا إلى العثمانيين يطلبون منهم إنقاذهم من ظلم المماليك والضرائب المرهقة وانتشار الرشوة لشراء الوظائف المهمة مثل القضاء والإمارة وغيرها.


الأخطر من هذا أن الدولة المملوكية في أعوامها الخمسين الأخيرة كانت تتدخل في الصراع الداخلي بين الأمراء العثمانيين، وكانت تدعم أطرافا ضد أخرى، على سبيل المثال دعم السلطان المملوكي قنصوه الغوري الأمير العثماني قرقود ضد أخيه السلطان سليم شاه، وكان الأمير قرقود طالبا للسلطنة العثمانية، وقد أدى هذا الدعم المملوكي إلى زيادة الانشقاق العثماني الداخلي واضطراب الأوضاع الداخلية، بل جاءت الأخبار إلى السلطان سليم شاه بأن المماليك يؤيدون الصفويين ضد العثمانيين ، كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة العداء والتوتر بين الدولتين.


بعد توقيع السلطان العثماني معاهدة هدنة مع الممالك الأوروبية في الغرب، وحرصاً منه على حماية حدود مملكته الشرقية من هجمات الصفويين، ورداً على الانتهاكات التي ارتكبها الصفويون ضد سكان المناطق التي استولوا عليها شرق الأناضول وفرض المذهب الشيعي على الأغلبية السنية التي تستوطن تلك المناطق، إضافةً إلى قيام الصفويين باحتلال بغداد عام 1508 والاعتداء على علماء السنة الأحياء وهدم قبور الأموات، قام السلطان سليم الأول بشن حملة عسكرية على الصفويين، انتهت بفوز ساحق عليهم بمعركة جالديران في 23 أغسطس/آب 1514.


وقبيل الهجوم على تبريز، عاصمة الصفويين، طلب السلطان العثماني مساعدة المماليك في حربه على الصفويين، نظراً إلى مشاركة المملكتين المذهب السني نفسه، فضلاً عن كونهما تشاركا في الدفاع عن المقدسات والمناطق الإسلامية في الحروب ضد البرتغاليين، لكن قنصوة الغوري، قائد المماليك، لم يرفض المساعدة وحسب، بل شجع ولاته في الشام على مهاجمة الجيش العثماني من الخلف أثناء حربهم ضد الصفويين.


وعقب انتصار العثمانيين على الصفويين في معركة جالديران، علم السلطان العثماني بتحالف قنصوة الغوري مع الصفويين ضد الدولة العثمانية بشكل سري، وعليه بعث سليم الأول رسالة تهديد قوية إلى الغوري طالبه فيها بالقدوم إلى الشام ومحاربته إن كان شجاعاً لا يخاف المواجهة. وعلى إثر رسالة التهديد، أعد الغوري جيوشه وتحرك باتجاه مرج دابق استعداداً للقاء سليم الأول وجنوده.


التقى الجيشان المملوكي والعثماني في صباح يوم 24 أغسطس عام 1516م/922هـ، وبعد مرور عدة ساحات كانت الغلبة للقوات العثمانية التي تكونت من أكثر من 60 ألف جندي وحوالي 300 مدفع، بينما كان المماليك لا يستخدمون المدافع والبنادق بكثرة مثل العثمانيين، ولهذا السبب قُتل السلطان قنصوه الغوري في هذه المعركة، وكان من النتائج المترتبة عليها سقوط دولة المماليك في بلاد الشام ومصر، وأصبح الحجاز والحرمين الشريفين واليمن تابعين للدولة العثمانية في إسطنبول.
لقد كان السبب في سرعة زوال دولة المماليك أنها لم تدرك مدى التقدم العسكري الذي بلغه العثمانيون في ذلك الوقت، فقد توسع العثمانيون منذ فتح إسطنبول في استخدام المدافع والبنادق والآليات العسكرية الحديثة بينما انحصر استخدام المماليك للسيوف والخيول فقط، والأمر الآخر أن المماليك سعوا إلى التحالف مع الدولة الصفوية ضد العثمانيين على الرغم أن الصفويين ارتكبوا المذابح ضد المسلمين السُّنة في إيران والعراق، وكانوا يعملون على نشر التشيع في المناطق السّنية.

Be the first to comment .

* * Required fields are marked