Sosyal Medya

السياسة

ما بعد الملكة إليزابيث الثانية؟

قالوا  قديما اذكروا محاسن موتاكم، لكن إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا لم تكن من موتانا؛ إنها من العائلة المكلية البريطانية التي تنظر إلينا من شرفاتها العالية. وإذا نحن أسأنا إليها فلن يفيدنا ذلك شيئًا، وإنما نكتب هذا المقال للتذكير بشيء لاينبغي لأحدٍ أن ينساه، وهو أن الموت حساب؛ فمهما كنت من النبلاء أو كنت من أعرق العائلات  ومهما طال عمرك أو كنت ممن طالت فترة سلطتك على الناس فإنه حتما سيأتي يوم تحاسب فيه.

إن اليزابيث الثانية التي اعتبرها البعض رمزاً للوِد بينما رآها البعض مثلاً للاحتلال قد أنهت بموتها  في 8 سبتمر/أيلول 2022  حكمها الذي دام لسبعين عاماً. كانت فترة حكمها الملكي من بين الأطول في العالم. لقد توفيت ملكة إنجلترا؛ راس العائلة الملكية التي تحكم دولة غازية قالوا عنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. لقد حلت على الساحة آراء مختلفة أعقبت موت الملكة.  فمن الناس من اعتبرها ملكة عطوفة ومنهم من زرف الدموع لأجلها ومنهم من أقام عُمرة من أجلها. والبعض أيضاً تذكر المذابح التي أشرفت عليها بريطانيا والدول التي احتلتها في عهدها وما تسببت فيه من آلام لشعوب تلك الدول.

 وقال في ذلك الأمريكي من أصول نيجيرية البروفيسور: "أوجو أنويا": "لقد قتلت نصف عائلتي والنصف الآخر قد مات بطرده من أرضه، كيف يمكنني أن أترحم على من كان السبب في مذابح ستينيات القرن الماضي". إن على إنجلترا أن تعتذر للدول الإفريقية بسبب المذابح التي أقامتها، ومع كل هذا لم تندم الملكة ابدًا على ما فعلته. وبعد موتها طالبت الهند والدول الأفريقية بإرجاع الجواهر التي على نراها على تاجها إذ تمت سرقتها من بلادهم. وقد طالب الكينيون برأس ملكهم الذي قتله الانجليز وأرسلوا رأسه الى لندن.وفي الحقيقة لمذا لم ينتقد أحداً إنجلترا وأفعالها حتى موت الملكة إليزابيث الثانية.
 
مع وفاة الملكة علت في البلاد التي تنتمي الى الكومنولث أصوات الانفصال من الإتحاد. وكانت دولة جمايكا صاحبة الصوت الأعلى في تلك الحملة. وكأنهم إذا نالوا استقلاليتهم فسيكونون حقاً دولاً مستقلة. لقد مرت ستون عاماً على الانفصال من باب الشرق، وبعد موت الملكة كانت هذه الدول أكثر من أقام الحداد عليها. يبدو إذا أن الدول مستقلة أما العقول فما زالت تعيش في طور العبودية. أقامت الأردن الحداد مدة 7 أيام، أما لبنان والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة فقد أقاموا 3 أيام حداد، ورأينا الهند وباكستان تعلنه ليوم واحد. كل ذلك بالرغم من أن إنجلترا قد احتلت بلادهم ونهبت ثرواتها لعقود. فماذا إذا نالت جمايكا استقلالها؟ هل ستتحرر العقول كما تتحرر الأبدان؟  هل ستنال حريتها لكن عقلها  لا يزال مقيدا؟

لقد اطلقوا على إنجلترا لقب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وقد تكونت من 14 دولة تابعة للتاج البريطاني مثل أستراليا ونيوزيلاندا. وهذه الدول لها رؤساء حكومات لكنهم يحكمون تحت ولاية المملكة البريطانية. إن إنجلترا هي التي تصدّر ديموقراطيتها الزائفة للعالم وتحدد حرياته ونظامه التعليمي بما يتوافق مع مصالحها الشخصية. وإن الذين تم استعباد عقولهم وبعدوا عن المنطق السليم والحكمة هم فقط من يعتبرون ملك إنجلترا أو ملكتها ممثلين  صوريين فحسب .فهل الامر هذا حقاً؟ اللافت أننا نرى الملكية في الدول الغازية الأوروبية بينما نرى  الديموقراطية المدعاة في الدول المُحتلة، فكم من مرة كانت تلك الديموقراطية في مصلحة الشعوب لكنها عندمت تتعارض  مع مصالح الإنجليز تقوم الدول التابعة لانجلترا والجيوش الموالية لها بانقلاب عسكري فيتم استئناف تلك الديموقراطية الزائفة من جديد. وتستمر في قمع الدول واستغلال ثراواتها ونقل تلك الثروات الى أراضيها. من الملاحظ أن كلاً من  إنجلترا وهولاندا و بلجيكا تتبع  نظام الحكم الملكي، وبذلك يمكننا القول أن من يصدر الديموقراطية للعالم هم نفس الدول التي تستولي على مصادر الطاقة وتغزوا العالم ثقافيا. ويمكننا أن نرى مفهوم ذلك الغزو إذا نظرنا الى التغير الثقافي الكبير الذي سببته اللغة الإنجليزية كونها  أكثر اللغات تحدثاً  في العالم حالياً.
 
فإن الانجليز إذا ما إحتلوا بلداً من البلدان  قاموا أولاً بجعل لغة التعليم فيها هي اللغة الإنجليزية ومع مرور الوقت يصبح شعب تلك الدولة نسخة منها فكرياً وثقافياً. ولقد أصبح المدافعون عن الديموقراطية هم أيضاً المدافعون عن الحرية. في الواقع فإنه من خلال الديمقراطية التي قدمتها إنجلترا نرى أن الأشخاص المختارين من قبل الصحافة هم أيضًا أشخاص مؤيدون للغرب يحمون مصالحه التي أظهرتها الصحافة على أنها جيدة.
 
يزعمون أن ملك أو ملكة إنجلترا هم أصحاب مناصب صورية وليس لهم أي صلتة حقيقية. فهل من يعلن وفاة الملكة هو رئيس الورزاء أولاً أم  قصر العائلة الملكية . إن ملوك وملكات العائلة المكلية الإنجليزية هم أيضاً رؤساء للكنيسة الأنجليكية المسيحية لهم قدسيتهم ولا يمكن لأحد أن يتعرض لهم بأذى أو يعارضهم، وهم أيضاً يتمتعون باحترام كبير من اتباع ذلك المذهب المسيحي. ومن أجل ذلك فإن شعوب الدول المستعمرة تدعم وبشكل كامل العائلة الملكية الإنجليزية  بملوكها وملكاتها. ويتم نسب الأعمال الصالحة للملك أما الطالحة منها فتُنسب لرئيس الوزراء. وقد تملك العائلة الملكية الإنجليزية جزء من أراضي كندا وأستراليا و نيوزيلاندا وغيرها في أكثر من 23 دولة .وقد يكون لهم بحق التصدق بهذه الأموال أو حتى تذهب كل العائدات والثروات البحرية الى العائلة.

إن العائلة الملكية البريطانية هي أغنى عائلة في العالم ويمتلك أفرادها الحق في  الذهاب الى أي دولة في العالم بدون الحاجة إلى جواز ولا يمكن لأحد أن يحاكمهم أو يُسائلهم.
إنه من الصعب أن تجد أي مصدر رسمي  يحتوي على مسالب في حق العائلة الملكية أو الممكلة بأكملها  أو حتى في كتب الدول التي حاربت ضدها. ولقد هزمت الدولة العثمانية فرنسا وانجلترا في الحرب العالمية الأولى في عدة جبهات، ولقد أجبرت القوات الإنجليزية على التراجع عن جبهاتها في العراق والقوقاز، ولكن لن نجد أي من ذلك في أي مصادر رسمية. لقد حاربت إنجلترا الدولة العثمانية، مصطحبة معها العرب الذين كانوا في منطقة الشرق الأوسط لكن الكثير من العرب قاتلوا في صفوف الدولة العثمانية.

ويُزعم في المصادر التركية المتأثرة بالغرب أن العرب قد خانوا الاتراك أما في المصادر العربية الغربية فيتم الترويج الى أن الدولة العثمانية هي امبراطورية مستعمرة نهبت ثروات الدول العربية. ولو كانت الدولة العثمانية دولة مستعمرة حقاً لكانت اللغة الرسمية في الشرق الأوسط خلال فترة حكمها هي اللغة التركية؛ وإننا نشهد الآن أن اللغة المُستخدمة في الكثير من دول الشرق الأوسط هي اللغة الإنجليزية وإن لم تكن اللغة الأولى فهي اللغة الثانية. 

لقد ماتت اليزيبيث الثانية وهي من اكثر الحكام قتلاً في المسلمين وربما قتلت أكثر من مما قتل جينكيز خان. وعلى مدار 70 سنة من حكمها نهبت العديد من أراضي الدول الإسلامية وسفكت دماء شعوبهم. و الذين ماتوا إثر الفتن والحروب التي اشعلتها أكثر ممن قتلتهم بنفسها. فها هي حرب العراق واحتلال أفغانستان وليبيا وكل المصائب التي حدثت في الشرق الأوسط كانت في عهدها. وبالرغم من كل هذا نرى العديد من زعماء الدول الاسلامية التي عانت منها، قد حضروا جنازتها حتى أن مجتمعاتٍ أظهرت احتراماً للملكة لا تعطيها لزعمائها. ورغم قتلها لعدد لا يحصى من المسلمين نرى بعض شباب المسلمين قد تأثروا بموتها وأدوا العمرة عنها ونكّست بعض الدول الإسلامية أعلامها حداداً على موتها وأعلنوا الحداد. لقد أظهر هؤلاء الناس احترامهم لدولة  تنهب ثرواتهم ولا تعير لهم قدراً. إن من تم استعباد عقولهم قد وقعوا في حب جلاديهم.
وجديرٌ هنا أن نسأل عن سبب وجود رأس ماعز في جنازة الملكة ؟ ولماذا نُقلت الجنازة إلى اسكتلندا أولاً ؟ و أتساءل ما إذا كانت الملكة ماتت قبل شهرين؟ هذه أسئلة مبهمة حول الجنازة.

لا داعي للجدال حول المليكة والسلطنة؛ لأنه في الإسلام لا يمكننا الحديث عن الديموقراطية في وجود السلطنة أو الملكية، وإن العدل هو أعظم عبادة أكدت عليها آيات القرآن والأحاديث النبوية، وإن ساعة العدل خير من سبعين سنة من العبادة.
 

Be the first to comment .

* * Required fields are marked