السياسة
الحكومة الانتقالية في تشاد هل تحقق السلام أم الدكتاتورية؟
كتبه: زايد آدم شيخ
ترجمه: حمزة محمود محمد
في ٢٠ من أبريل عام ٢٠٢١م، قتل رئيس تشاد المشير إدريس ديبي إتنو في ساحة المعركة ضد مجموعة متمردة من جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد (فاكت) في مقاطعة كانم، أثار موت رئيس الدولة على هذا النحو القلق بين الناس، ومع ذلك، فإن هذا القلق لم يدم طويلاً، صرح محمد إدريس ديبي إتنو، نجل الفقيد، الذي جاء إلى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى الحكومة، أنه بعد فترة انتقالية مدتها ١٨ شهراً وحوار وطني شامل ذات سيادة سيتم تسليم السلطة إلى المدنيين.
حوار وطني شامل ذات سيادة
قبل بضعة أشهر من انطلاق الحوار الوطني السيادي الشامل، عقد اجتماعات تفاوضية في العاصمة القطرية الدوحة، مع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وبمشاركة جميع الأحزاب السياسية المعارضة وحركات التمرد تقريباً، بعد خمسة أشهر من العمل الشاق، أوشك اتفاق السلام مع أربعين حركة متمردة على مشاركتها في الحوار الوطني الشامل على الانتهاء، ورغم رغبة رئيس المجلس العسكري الانتقالي في توحيد الشعب بأكمله، فإن ١٨ جماعة متمردة بما في ذلك أهم الجماعات، لا تمتثل للاتفاق، وبالتالي، من المقرر إجراء الحوار الوطني السيادي الشامل في ٢٠ أغسطس ٢٠٢٢ في العاصمة التشادية أنجمينا.
بدأ الحوار الوطني السيادي الشامل على النحو المخطط له بقيادة زعيم المعارضة السابق غالي نغوتي غاتا، إلا أن الحوار الذي كان من المفترض أن يستمر لمدة ٢١ يوما، انقطع قبل نهاية اليوم الثاني وتم تأجيله كما أعلن في التقويم، واستمرت فترات التوقف غير الضرورية حتى ٨ أكتوبر، وهو التاريخ الذي انتهى فيه الحوار الوطني السيادي الشامل، تم إجراء إصلاحات مؤسسية وعمليات انتخابية مختلفة خلال هذه المناقشات، على سبيل المثال اقترحت اللجنة فترة رئاسية مدتها سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، كما أن الحد الأدنى لسن الترشح للرئاسة هو ٣٥ عاماً (تم إجراء التعديل الدستوري قبل أشهر قليلة من وفاة المارشال إدريس ديبي إتنو وتم رفع السن من ٣٥ إلى ٤٠ عاماً)، كما تم اتخاذ قرار آخر مهم للغاية؛ إذ سيتم تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين، وسيتمكن رئيس المجلس العسكري الانتقالي من تقديم نفسه مرتين على الأقل في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بعد الافتتاح
قوبل تنصيب محمد إدريس ديبي إتنو كرئيس مؤقت بردود فعل غير راضية، دعت العديد من الأحزاب السياسية وائتلافات المجتمع المدني إلى مظاهرات في تشاد في ٢٠ من أكتوبر احتجاجا على تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين.
ثانياً، يُطلب من محمد إدريس ديبي بتسليم السلطة إلى شخص مدني وفقاً لوعوده في نهاية فترة انتقالية مدتها ١٨ شهراً تنتهي في ٢٠ أكتوبر، ولهذا دعت أبرز الحركات المعارضة "وقت تما" (جاء الوقت) وأحد أبرز الأحزاب السياسية المعارضة، حزب المتحولون (ترانسفورماتير) عن طريق رئيسه سيكسي ماسرا إلى التظاهر، لكن في ليلة ١٩ من أكتوبر ٢٠٢٢، حظرت السلطات التظاهر، وبحسب الحكومة فإن "هذه المسيرة تهدف إلى خلق انتفاضة مسلحة شعبية بدعم من قوى أجنبية لزعزعة استقرار البلاد" علاوة على ذلك، صرحت الحكومة أنه يتم اتخاذ "إجراءات أمنية لمنع هذه الأعمال" التي تخطط لها المعارضة التشادية لتنفيذها، ومع ذلك، فإن الأطراف المعارضة لم تستمع إلى كل هذا.
استيقظت العاصمة أنجمينا في ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢ على فوضى عارمة، حيث احتل المتظاهرون ما يقرب من نصف المدينة للمطالبة برحيل محمد ديبي إتنو، بالإضافة إلى العاصمة، ولقد انضمت كل من مدينة دوبا وموندو وكومرا إلى ركب المظاهرات، وهاجم المتظاهرون المباني العامة ومكتب المحافظ ومقر حزب رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمة، قال رئيس الحزب سيليستين توبونا إن مقر حزب صالح كبزابو (رئيس الحكومة المؤقتة)، الإتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد تم استهدافه و"حرقه جزئياً" من قبل المتظاهرين.
وقد ظهرت سحب من الدخان الأسود، وسُمع دوي النيران، واشتعال الغاز المسيل للدموع بانتظام طوال اليوم، بينما أُقيمت حواجز في أجزاء مختلفة من المدينة وأُحرقت الإطارات على الطرق الرئيسية لإعاقة حركة المرور، ولهذا اتخذت قوات الأمن الاحتياطات تجاه هؤلاء المتظاهرين، حتى إنهم استخدموا أسلحة فتاكة، وقتلوا العشرات بالذخيرة الحية، وهكذا فإن السلطات تسيطر على كل شيء من خلال تشتيت المواطنين.
أدان موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي بشدة "قمع التظاهرات" على تويتر وحث الأطراف على "احترام حياة البشر وممتلكاتهم" و "إعطاء الأولوية للطرق السلمية للتغلب على الأزمة". كما أعلن رئيس الوزراء التشادي صالح كبزابو، في مؤتمر صحفي عقده في اليوم نفسه مقتل ما لا يقل عن ٥٠ شخصاً وإصابة أكثر من ٣٠٠ خلال الصراع ضد "القوات النظامية"، وأشار إلى أن الوفيات حدثت في مدن مختلفة، وأعلن عن حظر التجول في هذه المدن من الساعة السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، حتى "يتم إقرار النظام بالكامل".
حاليا، هناك هدوء في تشاد، العديد من المنظمات والدول تدين بشدة أحداث ٢٠ أكتوبر، حيث طالبت الأمم المتحدة فتح تحقيق حتى يتم تقديم الفاعلين في هذه الأحداث إلى العدالة، وقد زار الرئيس الانتقالي رئيس الجمهورية رأس الدولة محمد إدريس ديبي إتنو الضحايا وأعلن في رسالة إلى الأمة: "اعتباراً من الثلاثاء ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢، سيكون هناك حداد ٧ أيام على مستوى البلاد تخليداً لذكرى ضحايا الأحداث المأساوية".
النتيجة
على الرغم من عودة الهدوء إلى أنجمينا، لا تزال التوترات تتصاعد ليس فقط في العاصمة، ولكن أيضاً في المدن الكبرى في جنوب البلاد، وأكد بعض قادة المعارضة الذين دعوا إلى هذه المسيرة في ٢٠ أكتوبر سقوط أكثر من مائة قتيل، تصاعدت التوترات بين زعيم المعارضة سيكسي ماسرا والرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، في خطابه الثاني للأمة خلال أسبوع، أدلى الرئيس بتصريحات رئيسية حول إثنين من أكثر المنظمين نفوذاً لمسيرات ٢٠ أكتوبر، في الواقع، إذا قرأت ما بين السطور، يزعم محمد إدريس ديبي إتنو أن الاحتجاجات كانت نتيجة تمنيات زعيم المعارضة سيكسي ولكنها قوبلت بالرفض القاطع.
بالإضافة إلى ذلك، عبر منشور على صفحتها على فيسبوك، قالت فاطمة سوميلا (إسماعيل) أمينة الصندوق السابقة لحزب المتحولون (ترانسفورماتير): "أخبرنا ماسرا عدة مرات وأنا أقتبس: إذا لم أصبح رئيساً، سأفعل كل ما في وسعي لجعل هذا البلد غير صالح للعيش".يكشف هذا الحدث عن الوجه الحقيقي للسياسيين التشاديين، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هدف زعيم المعارضة سيكسي ماسرا هو الوصول إلى السلطة أم حماية أرواح المدنيين، ومن ناحية أخرى، هل هي لعبة سياسية ابتكرها الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي لتدمير منافسه سيكسي ماسرا، وبالتالي تحويل تشاد إلى ملكية استبدادية؟
Be the first to comment .