Sosyal Medya

الإسلام

النّهوض بعد السّقوط (حال المسلم في وقت الأزمات والكوارث)

والإنسان بحكم كونه سيّد الكون ومن وظيفته إعمار الأرض كان لا بدّ للإنسان أن ينهض بعد السّقوط والكوارث، إذ إنّه لو لم ينهض من ذلك السّقوط لتوقّفتِ الحياة وانتهت

                   بقلم: مدثر موسى 
 
إن تاريخ الكوارث قديمٌ قِدم تاريخ البشريّة، وهذه المصائب والحوادث ملازِمةٌ للإنسان ملازَمة العين لأختها بحيث يستحيل التّفريق بينهما. فما دام الإنسان حيّا فلا بدّ من أن يجوع ويشبع، ويصحّ ويمرض، ويفرح ويحزن، وتمرّ عليه أوقاتٌ مليئة بالسّعادة واللّذة كما ستمرّ عليه لحظات الأزمات والكوارث. هذه سنّة من سُنن الحياة وقانون من قوانين الكون لا مفرّ منها. وفي هذه الحالة الثُّنائيّة للحياة (الفرح والحزن- السّعادة والكوارث...) حكمةٌ إلهيّة عظيمة؛ إذ لو كانت الحياة كلّها سعادةً وفرحاً لملّ ابن آدم من هذه الحالة الوحيدة، ولتمنّى غيرها، ولقد أكّد لنا القرآن العظيم هذه الحقيقة وهذه الحالة الطّبيعيّة للبشر: (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، عبس: 17.  ويقول الشّاعر في هذا الخصوص:
 يتمنّــــى الـمـــــــــرء في الصــــــيف الشّــــــــــتا              فـــــــإذا جـــــــاء الشّـــــــــتا أنكــــــــــــــــــــره
 فهـــــــــــــــــــــــــــــــــو لا يــرضى بحال واحد              قـــــتــــل الإنـســـــــــان ما أكـــفــــــــــــــــــــره
ولو قلّبنا صفحات التّاريخ منذ فجر الخلق إلى يومنا هذا لوجدنا أنّ من أعظم الكوارث الطّبيعيّة الّتي عانى ولا يزال يعاني منها البشريّة السّيولَ والفيضانات والزّلازل. وهذه الكوارث كثيراً ما تسبّب دماراً هائلاً وخسائر بشريّة ومادّيّة مستمرّة لفترة طويلة، حيث يفقد كثير من النّاس في طرفة أحبابهم ويتحوّل بعض النّاس من أغنياءَ يشار إليهم بالبنان إلى معدمين – فسبحان مغـيـِّــر الأحوال -. 
 
والإنسان بحكم كونه سيّد الكون ومن وظيفته إعمار الأرض كان لا بدّ للإنسان أن ينهض بعد السّقوط والكوارث، إذ إنّه لو لم ينهض من ذلك السّقوط لتوقّفتِ الحياة وانتهت. وقد وُجدت منذ القِدم وسائل كثيرة لمساعدة المتضرّرين من الكوارث على النّهوض، منها: تقديم النّصح والدّعم المادّيّ والمعنوي، وقد فُتح لهذا الغرض الكثير من مراكز الاستشارة والعيادات النّفسيّة. وهنا تبرز أمامنا أهمّيّة الدّعم النّفسيّ خلال أوقات الأزمات، لأن أصعب شيء على المتضرّرين من الكوارث ليس المالَ أو المبنى أو الحيوان الّذي فقدوه، وإنّما أصعب شيء يعانون منه والّذي يستمرّ أثره لفترة طويلة هو التّأثير النّفسيّ النّاتج عن الكوارث. ومن هنا يحق لكل شخص أن يسأل: ما هي الطّريقة المثلى لدعم المتضرّرين نفسيّا لتجاوز هذه الصّدمة والنّهوض من جديد؟
 
إن هناك عدة وسائل وطرق مخترعة لدعم متضرّري الزّلازل والكوارث نفسيا والتخفيف من آلامهم. من هذه الطرق إنشاء المراكز الاستشارية النّفسيّة لتقديم الدّعم لهم. ولكن مهما كان دور هذه المراكز كبيرا فإن نتائجها تظل محدودة، لأن الشخص الّذي فقد أباه وأمه وزوجته وأولاده وجميع ما يملك يصعب جدّاً أن تهدّئه كلماتٌ أو نصائح يسمعها من طبيب نفساني أو غيره. ومن هنا يبرز دور الدِّين!!! فإن أفضل طريقة لمعالجة المبتلين هي الطريقة الدِّينية التي تشتمل على النصائح والتوصيات التي أمرنا بها الإسلام عند وقوع الكوارث والمصائب. وهذا أحد الأسرار التي تقف وراء نهوض المسلمين دائما من تحت الركام بشكل أقوى. بينما نرى في بعض المجتمعات غير المسلمة اليأس الّذي يؤدّي ببعض الأشخاص المبتلين إلى الجزع بل إلى الانتحار في بعض الأحيان. لأن هذا الشخص يرى أن لا فائدة من حياته بعدما فقد كل شيء. أما المسلم فإنه يملك طبا نفسيا لا يملكه غيره من النّاس على وجه الأرض، ومنه يستمد قوته وأسباب البقاء والحياة، لأنه يؤمن أن الله هو المعطي والآخذ، والمحيي والمميت، منه جئنا وإليه نرجع. ولذلك نرى أمثلة كثيرة خلدها التّاريخ عن حال المسلمين عند وقوع الكوارث:  
 
1- السميراء بنت قيس الأنصارية: كانت السميراء من أهل المدينة، ومن أوائل الّذين دخلوا الإسلام. وفي غزوة أحد استشهد ولداها (النعمان وسليم)، وعندما وصلها الخبر كان جوابها: "وماذا فعل رسول الله؟" أي ما الّذي أصاب رسول الله؟ هل هو حي؟، فقيل لها: "نعم"، فقالت قولتها الشهيرة: "كل مصيبة بعدك جلل". 
2- الخنساء: ومن ذا الّذي لم يسمع اسم هذه الصحابية الجليلة التي ملأ ذكرها الآفاق والتي أصبحت مضرب المثل في الصبر والتحمل عند وقوع الكوارث والمصائب. كانت الخنساء من قبيلة بني سليم، ومن المخضرمين الّذين عاشوا في الجاهلية وشاهدوا كثيرا من أحداثها ثم دخلوا الإسلام. كان للخنساء أخوان هما صخر ومعاوية، ولكنهما قُتلا في بعض المعارك التي خاضوها ضد بعض القبائل. وقد وقعت حادثة وفاتهما كالصاعقة على الخنساء، لأنهما كانا نعم العون والسند لها في السراء والضراء. وقد بكت الخنساء على أخويها وخاصة صخر لسنوات طويلة جدا، وكتبت فيهما كثيرا من أشعار الرثاء التي لا تزال تتداولها الألسن إلى يوم النّاس هذا. 
 
وفي السنة 8هــ/ 630م دخلت الخنساء وقومها الإسلام، فتحولت الخنساء، تلك المرأة البكاء الجزوع بفضل الإسلام إلى امرأة قوية صابرة قل نظيرها على مر التّاريخ. ما الّذي حدث يا ترى!!! في السنة 15هـ/ 636م وقعت معركة القادسية بين المسلمين والامبراطورية الفارسية، وكان من ضمن جنود المسلمين أبناء الخنساء الأربعة. وقد أوصتهم الخنساء عند خروجهم إلى المعركة بالصبر والثبات عند القتال حتى النصر أو الشهادة. وفعلا كان الأولاد عند حسن ظن أمهم بهم. فقد قاتلوا قتال الأبطال مقبلين غير مدبرين حتى استشهدوا عن آخرهم. وعندما وصل نبأ استشهادهم إلى الخنساء قالت بقلب يملؤها الإيمان والصدق تلك المقالة الخالدة: "الحمد لله الّذي شرفني باستشهادهم، وأسأل الله أن يجمعني بهم في الجنة" ولم تزد على ذلك كلمة واحدة ولم تولول. هذه هي خنساء الإسلام، وتلك هي حالها عند وقعت كارثة ومصيبة فقدانها أبنائها الأربعة.
 
وسوف نكتفي بهذين النموذجين. وعندما ندقق النظر في الأمثلة السابقة نجدها حول الحرب، ولكن لا فرق بين الحرب والزّلزال، فكلاهما يؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي فقدان الأهل والأحباب. وفي مثل هذه الكوارث والظروف الصعبة ينبغي أن تكون حال المسلم كحال الخنساء والسميراء (الصبر والاحتساب والإيمان بأننا لله وأننا إليه راجعون). فأغلى شيء يملكه المسلم في هذه الدنيا هو دينه وإسلامه. فلنتامل ونسأل أنفسنا: في غزوة أحد لماذا سألت السميراء عن رسول الله ولم تسأل عن جثامين أهلها الّذين استشهدوا في الحرب؟  لأنها مسلمة حقيقية تؤمن بأن الموت والحياة ابتلاء من الله وأنهما بيد الله يعطيهما ويأخذهما متى يشاء، أما الرسول فهو الّذي يتعلق عليه تبليغ الإسلام الّذي تعتبره السميراء رأس مالها وسبيل نجاتها في الدنيا والآخرة. فلو كان حدث شيء للرسول لكان وجود الإسلام كله في خطر.
 
وقبل أن ننهي مقالنا ينبغي الإشارة إلى الإسلام ربانا نفسيا وروحيا يأمرنا في الطرف الآخر بـــ:
 
الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب: فالشخص الّذي يزعم أنه يتوكل على الله فقط ولا يأخذ بالأسباب يعتبر عاجزًا مخالفًا للشرع، فالتوكل يجمع الأمرين: الثقة بالله، والاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، روى عن النبي أنه قال لرجل لـمّا سأله قائلا: يا رسول الله! هل أعقلها (ناقتي) أو أتوكل؟ قال له النبي: اعقلها وتوكل"
التعلم من دروس التّاريخ: قال الله تعالى في كتابه الكريم:" فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"
إتقان العمل ونجازه بالشكل المطلوب: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

Be the first to comment .

* * Required fields are marked