Sosyal Medya

السياسة

سليل المجاهدين " أحمدو بيلو"

بعد هذه الهزيمة أمام الإنجليز هاجر بعض القادة من الأراضي المستعمرة، ولكن الغالبية ظلت تحت السيطرة البريطانية لمواصلة هذا التراث "السياسي" والثقافي، و من بين أولئك الذين بقوا هناك عائلة أحمدو بيلو

   الكتّاب*

              بعد عقد من احتلال البريطانيين لأرض إمبراطورية سوكوتو الواقعة في شمال نيجيريا الحديثة، قاموا بدمجها مع المنطقة الجنوبية لتشكيل نيجيريا التي ستصبح الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القارة. وكانت إمبراطورية سوكوتو دولة إسلامية يحكمها السلاطين والأمراء الإقليميون، و مع قدوم الاحتلال البريطاني فقدت الدولة سيادتها، ولكن هيكلها ظل يعمل تحت الحكم البريطاني. بعد هذه الهزيمة أمام الإنجليز هاجر بعض القادة من الأراضي المستعمرة،  ولكن الغالبية ظلت تحت السيطرة البريطانية لمواصلة هذا التراث "السياسي" والثقافي، و من بين أولئك الذين بقوا هناك عائلة أحمدو بيلو، الذي سيصبح مؤسس شمال نيجيريا الحديثة في مساعيه  لمواصلة إرث أسلافه.

 

من هو أحمدو بيلو؟

             ولد أحمدو بيلو في 10 يناير / كانون الثاني 1910 في رباح بولاية سوكوتو الحالية،و كان والدُه إبراهيمُ حفيدَ محمد بيلو، أول سلطانٍ لولاية سوكوتو، و بعبارة أخرى فقد كان عضواً في إحدى العائلات القائدة في المنطقة من حيث المعرفة والسياسة، وقد  مكنته ولادة أحمدو بيلو في مثل هذه البيئة من تلقي التعليم الإسلامي ثم التعليم العلماني الغربي الذي جلبه البريطانيون للنخبة من الأطفال خاصةً، والتحق لاحقًا بكلية المعلمين عام 1926 وعمل مدرسًا في بلدته.

              فشل أحمدو بيلو في محاولته عام 1938 ليصبح سلطانًا، وفي النهاية تم اختيار ابن عمه صديق أبو بكر ليشغل ذلك المنصب، أما أحمد بيلو فقد حصل بعد ذلك على اللقب الشرفي لسردونا (قائد الحرس)، وأصبح سكرتيرًا للإدارة المحلية في سوكوتو. و في عام 1948 ذهب إلى إنجلترا لاكتساب الخبرة في إدارة الحكومة المحلية. وبعدما أذنت الحكومة الاستعمارية للسكان الأصليين بالمشاركة السياسية أصبح بيلو عضواً في مؤتمر الشعب الشمالي (NPC) ، وهو حزب يتألف من نخب المنطقة، وأصبح بيلو في نهاية المطاف زعيم الحزب في عام 1954 ثم رئيس الوزراء في شمال نيجيريا.

 

الحياة السياسية لأحمدو بيلو وآراءه

             في الفترة التي نالت فيها نيجيريا استقلالها، أدى البحث عن السياسة الصحيحة إلى ظهور العديد من الأطروحات الأيديولوجية بين السياسيين المحليين، وهكذا سادت البلدَ أجواءٌ متوترة جدا، فعلى سبيل المثال، كان هناك سؤال حول ما إذا كانت المقاطعة ستستمر في وحدتها بعد رحيل المستعمرين، إضافة إلى مسألة ماهية الأساليب التي ستتبناها الدولة، وكذلك مسألة السياسة الخارجية للدولة؟ وبشكل مثير للدهشة كانت هناك أيضًا نقاشات حول ما إذا كان يجب أن تحصل البلاد على الاستقلال أم لا.

 

استقلال نيجيريا

              تم اقتراح مشروع قانون استقلال نيجيريا لأول مرة في عام 1953 من قبل مجموعة العمل (AG) ، التي تتألف من قادة المنطقة الجنوبية،وكان الرد على هذا النحو: "يقبل هذا المجلس، كهدف سياسي أساسي، تحقيق الحكم الذاتي لنيجيريا في عام 1956". وعلى الرغم من جاذبية وإيجابية أفكار الاستقلال والحكم الذاتي إلا أنّ أحمدو بيلو وحزبه شعر أن الموعد سابق لأوانه ولم يؤيد الاقتراح، وبالطبع لا ينبغي اعتبار هذا الأمر على أنه بعض أفعال الأنجلوفيل، وبحسب رأيهم  فإن المنطقة الشمالية المسلمة بشكل أساسي، كانت غير متطورة نسبيًا، لذا فهمْ لا يريدون ترك شعبهم تحت رحمة الجنوبيين، وحتى ذلك الحين كانت معظم المدارس التي أنشأها المستعمرون تقع في الجنوب، وبالتالي لم يكن يفهم اللغة الإنجليزية وفن الحكم الحديث من بين الشماليين سوى عدد قليل، ولهذا عارض أحمدو بيلو الاستقلال المبكر. و قد كان يهدف في المقام الأول إلى تدريب عدد كافٍ من البيروقراطيين والموظفين الفنيين الشماليين بأسرع طريقة مستعينا على تحقيق ذلك بمختلف الفرص والكفاءات المحلية والأجنبية. وفي السنوات التالية وعلى الرغم من أن الشماليين لم يتمكنوا من الوصول إلى مستوى الجنوبيين من حيث التعليم ومستوى الرفاهية والمساواة في البيروقراطية، إلا أن هذا البرنامج على الأقل أنقذ الشماليين من أن يكونوا من الدرجة الثانية في مناطقهم.

 

الحكومة الفيدرالية لنيجيريا

             على الرغم من أن أحمدو بيلو فضّل استمرار الكيان النيجيري، الذي نال استقلاله عام 1960 كدولة واحدة ، إلا أنه لم يسعَ قطُ إلى منصب في الحكومة الفيدرالية. وعلى الرغم من حصول حزبه على الأغلبية في البرلمان إلا أنه لم يسعَ للرئاسة أو رئاسة الوزراء، وبدلاً من ذلك فقد اختار أن يظل زعيم شمال نيجيريا، وربما رأى هذا أفضلَ طريقة لمواصلة إرث أجداده. وهنا من المهم جدا أن نلاحظ أنه في ذلك الوقت كان للأمراء تأثير سياسي كبير حتى في النظام الحالي.

 

إدارة شمال نيجيريا

            ظل أحمدو بيلو حاكم شمال نيجيريا حتى وفاته.وفي هذه الفترة  تركزت أهدافه الأساسية على التنمية البشرية والنمو الاقتصادي في المنطقة الشمالية، وناشد المستثمرين على اختلاف مستوياتهم لبناء الاقتصاد المحلي، وعلى سبيل المثال، خلال فترة وجوده، شهد شمال نيجيريا نموًا كبيرًا في صناعة النسيج، وأيضاً ققد لعب دورًا نشطًا في إنشاء العديد من المنظمات والهيئات المهمة، مثل شركة شمال نيجيريا للتنمية (NNDC)، والبنك الشمالي، وشركة Northern Nigeria Investments Limited (NNIL  وأسس أول جامعة في شمال نيجيريا والتي مازالت تحمل اسمه حتى اليوم.

 

           وعلى الرغم من أن معظم الشماليين مسلمون إلا أن أحمدو بيلو حاول الحفاظ على السلام مع أتباع الديانات الأخرى. وتأكيدًا على أهمية خدمة دين الله وكسب الدخل الحلال فقد اعتمد أحمد بيلو "العملَ والعبادةَ" شعاراً لشمال نيجيريا.

 

السياسة الخارجية

            يمكن النظر إلى نهج السياسة الخارجية لأحمدو بيلو من وجهات نظر مختلفة. فقدم بيلو نفسه على أنه محايد، واقترب من البانافريكانية الصاعدة بطريقة متوازنة، ليست بعاطفية أو متطرفة، وبينما أيد فكرة التكافل بين الدول الافريقية  فقد أعتبر الحديث عن إنشاء اتحاد إفريقي أمراً سابقاً لأوانه؛ إذ تتعدد الثقافات وتختلف بين الدول الافريقية. وعلى خلاف كل الزعماء الأفارقة فهو لم يلُم الاستعمار الغربي على كل المشكال التي تشهدها الدول الإفريقية، وبدلاً من ذلك اعتبر أنه من الضروري التعاون مع الدول الأجنبية، وخاصة المملكة المتحدة في القضايا التي يمكن أن تحسن مجتمعه، ومع ذلك ذكر أن نيجيريا لن تكون شريكًا في برلمان المملكة المتحدة أو في حرب ضد أي أحد.

 

            في سيرته الذاتية صرح أحمدو بيلو، بعد إدانته للنبرة التحذيرية للدول الغربية، أن نيجيريا لن تتحول إلى الشيوعية، ولكنها مع ذلك ستقيم علاقة صحية مع الاتحاد السوفيتي، علاوة على ذلك  قال: إنه لا يهم من سيأتي إلى نيجيريا؛ فإنها تحتاج فقط إلى رأس مال أجنبي يمكن أن يكون لها رأي فيه وشرائه لاحقًا.

 

              كان أحمدو بيلو يولي أهمية كبيرة لحركة الإسلام بشكل عام، خاصة في سنواته الأخيرة، فقد زار العديد من الدول الإسلامية بين عامي 1961 و 1962 وحث هذه الدول على أن تجتمع معاً وتتعاون في مجالات مختلفة، وقد أسفرت زياراته وحواراته عن تأسيس رابطة العالم الإسلامي في موسم الحج عام 1962، وتم تعيينه نائباً لرئيس الرابطة، وفكرته عن الحركة الإسلامية تنعكس أيضًا في موقفه من إسرائيل. لقد بيلو في وقت كانت إسرائيل تحاول حشد حلفاء أفارقة من خلال الأموال، ومع ذلك نجح أحمدو بيلو في سد جبهات الدولة الغازية في نيجيريا.  في عام 1964 رفضت نيجيريا الدعم المالي الذي قدمته إسرائيل.

 

خدمات أحمدو بيلو للإسلام

             لقد كان لأحمدو بيلو جهود كبيرة في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية بالعالم الإسلامي، كما كان نشيطاً بالعمل لحل مشاكل المسلمين في مقاطعته، ولقد كان كما لو أنه تابع المسيرة الجهادية التي بدأها أسلافه قبل قرنٍ ضمْن أطُر وقوانين الدولة الحديثة، ولقد جعل العالم النيجيري الشيخ أبو بكر الغومي مرشداً له، وقد قام بمشاريع متنوعة معه.

 

           قام أحمد بيلو بإنشاء منصة تُدْعَى "جماعة نصر الاسلام"، وقد كان الهدف منها جمع العلماء والقادة لحل مشاكل المسلمين في المنطقة، وافتَتَحت هذه المنصةُ مدارس في شمال نيجيريا وعملت كمنصةِ مصالحةٍ للقضايا الطائفية مع أنشطة اجتماعية وثقافية أخرى.

 

          نشر أحمدو بيلو أعمال علماء المنطقة القدامى وترجم بعضاً منها للغات المحلية، وكذلك التمس المساعدة من الحكومة السعودية لترجمة نسخٍ من القرآن للغة الياروبا المحلية المنتشرة بين المسلمين الذين يعيشون في المنطقة الجنوبية الغربية، وقد كان القرآن مترجَما قبْل ذلك إلى لغة اليوروبا، ولكن عن طريق مبشرين نصرانيين. وقام أحمدو بتوجيه دعاة الى القرى التي لم تعرف الاسلام من قبل صانعاً بذلك ما سيعرف لاحقاً بحملة التحويل. ولوقف المغريات التي تجذب حملات التبشير النصرانية حاول دعم المجتمعات التي تختار الاسلام بطرق عدة. وتوصف أنشطة أحمدو بيلو هذه على أنها ضربة تاريخية كبرى في الأدبيات المسيحية النيجيرية حتى يومنا هذا.

 

         في خطابه عام 1965 في مؤتمر الاتحاد الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ناقش المشاكل التي تواجه المسلمين النيجيريين كمشكلة الأنشطة التبشيرية و مشكلة عدم المساواة والفقر. كما سلّط الضوءَ على الخطوات التي كان يقوم بها، وقدّم اقتراحات وحوافز بالنسبة لتلك المشاكل التي ناقشها.

لكن لسوء الحظ كان هذا الخطاب هو خطابه الأخير بين القادة المسلمين؛ ففي 15 يناير 1966  قُتل في انقلاب قام به رائد من جنوب شرق نيجيريا.

 

موت أحمد بيلو

            لقد عبّـر المؤرخون والباحثون السياسيون عن انقلاب نيجيريا الأول الذي أدى إلى مقتل أحمدو بيلو بطرق مختلفة، وحقيقة كون ضحايا الانقلاب لم يكونوا من مناطق الانقلابيين تعزز أطروحة وجود بُعد "إثني"  للانقلاب، وفي المقابل وبعد ستة أشهر قام بعض الضباط الشماليين بانقلاب مضاد. وقد رأى البعض أن الانقلاب الأول أيضاً  كان موجهاً ضد الاسلام، وكان أبوبكر الغومي من هؤلاء، وقد حاول الأخير تعزيز هذا الرأي من خلال حوار مع الانقلابي الرائد كادونا نزغو في كتابه "أين أقف". ومهما كانت الدوافع خلف الانقلاب نسأل الله أن يتقبل أحمدو بيلو من الشهداء.

 

              بعد وفاته أدى المسلمون عليه صلاة الغائب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، وقد ترك أحمدو بيلو ورائه وعياً بالوحدة الإسلامية في شمال نيجيريا الحديث ومؤسسات مثل جماعة نصرة الإسلام بالإضافة إلى سيرة ذاتية تسمى "حياتي".

 

في ذاكرته ...

             تَعتبر جمهورية نيجيريا الاتحادية أحمدو بيلو أحد الآباء المؤسسين لها، وتمّ وضع صورته على ورقة 200 نيرة، كما سميت إحدى الجامعات النيجيرية البارزة باسمه، ولا تزال وثائقه محفوظة في  بيت أروى (بيت الشمال)، وهو متحف ومركز أبحاث في ولاية كادونا (عاصمة شمال نيجيريا السابقة). وقد كُتب العديد من الكتب عن حياته وأفكاره، وخاصة السيرة الذاتية للباحث جون إن. بادين.

 

***  تم نشر هذا المقال في رابطة الطلاب الدوليين رقم 157 (KUDER) التي نظمتها جمعية الطلاب الدوليين في قيصري (KUDER). إنه ملخص مناظرة الخريجين. المشاركون: لطف الله زيد، إلياس علييف، حسام السلامة، إيفيولوا صديق أويلامي.

 

***  تمت الترجمة من قِبل: أبوبكر خميس

Be the first to comment .

* * Required fields are marked