Sosyal Medya

الإسلام

نبذة عن مؤسس علم النفس الإسلامي

وبالرغم من معارضته الضمنية لهذه الممارسات و صغر سنه ومحدودية إمكانياته إلا أن هذه كانت بداية الطريق الذي سيؤدي به في النهاية إلى أسلمة علم النفس

                   الكاتب: إيفيولوا صديق أويلامي

 

               ورد ذكر البروفيسور مالك بدري ، المولود في السودان عام 1932 ، كثيرًا في العالم الإسلامي بعد وفاته في 8 فبراير 2022. وقد  عُرف بأنه مؤسس علم النفس الإسلامي الحديث . ويُنسب إليه الفضل في الترويج لأسلمة علم النفس  والاهتمام بجانبيه العلمي والنظري.

 

            و بينما كان مالك بدري في دراساته الجامعية في علم النفس في الخمسينيات من القرن الماضي فقد  أدرك الافتراضات الأيديولوجية العبثية في علم النفس كما هو الحال في العلوم الاجتماعية الأخرى في العالم الإسلامي إلى الحد الذي اقتنع فيه أنه بني على مبادئ فلسفية تتعارض ليس فقط مع الإسلام بل ومع الطبيعة الإنسانية أيضاً. ولقد كانت النظريات التي سيطرت على علم النفس في كل من حياته الجامعية و المهنية كمحاضر مبنية بشكل دوغماتي على التحليل النفسي الفرويدي ، وكان العديد منها يتعارض بشكل مباشر مع المعتقدات والأعراف الإسلامية. وبالرغم من معارضته الضمنية لهذه الممارسات و صغر سنه ومحدودية إمكانياته إلا أن هذه كانت بداية  الطريق الذي سيؤدي به  في النهاية إلى أسلمة علم النفس.

 

           في الستينيات  كان مالك محل سخرية من زملائه علماء النفس العرب و المسلمون بعد دعاويه بربط الاسلام بعلم النفس. وبعد انتهائه من  قراءة  أعمال " إيسنكوولب" حول العلادات السلوكية، تحدى  نظرية فرويد المهيمنه و عرض بديلاً لها. ولقد شجعه ذلك لإتمام دراسة الدكتوراة في المملكة المتحدة حيث ظهرت بدائل "للسلوكيين". وأثناء اقامته في لندن  تعرف مالك على الدكتور ديفيد ماير والذي أمضى وقتاً ثميناً في الاًبحاث  والتجارب. ولقد اقترح ديفيد على مالك بأن ينشر نتائج أبحاثه حول اتخاذ نسخة معدلة من علاج"وولب" لإزالة الحساسية النفسية.

 

            إن طريقة مالك الجديدة هي نوع مختلف من علاج وولبي؛ ففيه يتم قبول كلام المريض كما أنه ألغى التسلسل الهرمي لإزالة الحساسية وجعل إدخال المنبهات أكثر مرونة (بدري، وبالرغم من عدم إفصاحه عن هذا في منشوره الأول خوفاً من التهميش) فلقد استعان بالعديد من القيم الاسلامية في علاج مريضته المسلمة التي كانت  تعاني من القلق المفرط والاكتئاب والخوف من الجمهور  عن طريق تذكيرها ببعض آيات من القرآن مما ساعدها على تجاوز أزمتها النفسية. و قد كانت تقنية بدري الجديدة ، إزالة التحسس النظامي المعرفي ، رائدة في العديد من الممارسات العلاجية، وفي حين أنها بمثابة بديل سلوكي  للتحليل النفسي الفرويدي  فقد كانت أيضاً نظيراً للنموذج السلوكي المتطرف لاستجابة التحفيز.وهكذا  فتلك الطريقة  و ما تلاها من أعمال بدري اللاحقة أثارت تساؤلات حول مفاهيم الوعي البشري والفطرة بالاضافة  إلى أنها تحدد وتيرة العلاج الديني المعرفي العاطفي.

 

            إن إرث مالك بدري لا يقتصر على إزالة التحسس المنهجي المعرفي فقط، فقد دعا في السبعينات والثمانينيات  إلى أسلمة علم النفس إلى جانب الرغبة المتزايدة في أسلمة المعرفة وأثارت ورقته الشهيرة في المؤتمر  "علماء النفس المسلمون في جحر السحلية" صحوة جديدة بين علماء النفس المسلمين، وكان ملحق الكتاب "معضلة علماء النفس المسلمين" بمثابة نقطة تحول، فيما حدد أجيلكايا شاهين (2019) نهج مالك بدري باعتباره مقاربة تصفية والتي تتطلب من علماء النفس المسلمين عدم الرفض التام  للممارسات المتأصلة في علم النفس الغربي ولكن الامتناع عن قبولها دون أي شكل من أشكال النقد والتصفية،  وبالتالي - وفقًا لمالك بدري - يمكن لعالم النفس المسلم جمع بيانات تجريبية وموضوعية من علم النفس الغربي ولكن يجب عليه أولا  رفض الأساطير والنظريات غير المتوافقة، فلقد كان شديد النقد للمفاهيم الفرويدية والحتمية والسلوكية المتطرفة التي تتعارض مع مفاهيم العقيدة الإسلامية.

 

            إن تقييد نهج مالك بدري لتصفية المفاهيم الغربية فقط من خلال عدسة إسلامية قد يكون غير دقيق، فلقد ترك أيضًا إرثًا من خلال الكشف عن التراث المعرفي النفسي للثقافة الإسلامية الذي نُسي منذ زمن طويل، فعلى سبيل المثال أظهر أبو زيد البلخي في عالم علم النفس و كان ينظر إليه على أنه عالم عاش قرونًا قبل أن يُقَدَّر عمله وترجم القسم النفسي في كتابه "مصالح العباد والأنفوس" و أشاد به على فهمه النفسي غير المألوف للسلوك المعرفي وخاصة فهمه للاضطرابات النفسية الجسدية.

 

            يدرك علماء النفس والطلاب الشباب الآن أن علم النفس ليس متجذرًا فقط في الثقافة الغربية، بل ربما تكون ما توصلت إليه أطروحة مالك حول أصول علم النفس الإسلامي، و مما لا شك فيه أن هذا يعزز الشعور بالانتماء ويزيل مخاوف الدونية، وبالتالي أصبح علماء النفس المسلمون أكثر تقبلاً لدمج العناصر الدينية والثقافية في العلاج. والحقيقة هي أن هذا التأثير الجيد لهذه التحسينات لا يشعر به الممارسون فحسب بل المرضى أيضًا. و عندما يفهم المسلم العادي أن الأساليب السريرية للاضطرابات النفسية ليست غريبة على الثقافة الإسلامية وأن هناك تفسيرات سريرية لأمراض معينة فإنه لا يجد صعوبة في البحث عن خدمات طبيب نفساني.

 

           في هذه المقالة من الضروري التأكيد على أن كتابات مالك بدري لم تكن مخصصة للمتخصصين فقط، فهو يوضح فهمه لرؤية العالم بطريقة عملية من خلال منظور إسلامي من خلال كتابة أعمال مفهومة للناس العاديين، وعلى سبيل المثال عمله "التفكر من المشاهد إلى الشهود" والذي تمت ترجمته لاحقاً تحت اسم (التأمل)،  وفيه  دراسة روحية إسلامية وخطاب علم النفس الأكاديمي ويقدم إرشادات روحية تغذي العقل. وعلى نفس السياق  فإن عمله في تقديم الاستشارات الإلكترونية للعملاء المسلمين هو عبارة عن تجميع للنصائح اليومية التي يحتاجها المسلمون في جميع مجالات الحياة.

 

             وعلى الرغم من أن مالك بدري يحظى بالاحترام على نطاق واسع في الأوساط الإسلامية ، إلا أنه تعرض أيضًا لانتقادات، فمثلاً تم انتقاد نظرية مالك بدري بأن فيروس نقص المناعة البشرية هو فيروس تحور من عدوى ألحقها الله بالمثليين جنسياً، وبينما كان يحمل مالك بدري أعلى درجات التقدير ، فقد أثار الجدال  في "أزمة الإيدز" وهو منظور اجتماعي وثقافي وإسلامي تميز بكونه  غير علمي وغير مدعوم بالنتائج الموثوقة،ولكن هذا لا ينفي أن مالك بدري عالم بامتياز ويجب أن يكون قد استند في حكمه إلى البيانات المتاحة له بسهولة.

 

             في غضون قرن من الزمان بعد آراء مالك بدري المثيرة للجدل حول مناهجه الجامعية في لبنان ، من المدهش أن نلاحظ أن رغبته في  علم نفس إسلامي قد أثمر حتى في الغرب، وبدون شك فقد كان له تأثير كبير في هذا التقدم، وبصفته طبيبًا وباحثًا ومعلمًا في العديد من البلدان، فقد ألهم العديد من الأفراد وشجعهم على متابعة مساره في علم النفس، ولقد عمل على إنشاء مجتمع من علماء النفس المسلمين الذين سيساعدون في تطوير الممارسات النفسية الإسلامية، وشغل سابقًا منصب رئيس الرابطة الدولية لعلماء النفس المسلمين (IAMP) ، وهي مجموعة من علماء النفس المسلمين تهدف إلى أسلمة علم النفس المعاصر، وفي عام 2018 أسس مجتمعًا جديدًا باسم الرابطة الدولية لعلم النفس الإسلامي (IAIP) مكلفًا بتطوير نماذج جديدة في علم النفس الإسلامي.

 

            وفقًا لابن خلدون فإن مؤيد النظام الجديد لا يسرد قضاياه بشكل شامل، بل الأمر متروك لخلفائه لإكمال العمل لأنه يوفر الهيكل الأساسي فقط. إن البروفيسور مالك بدري هو والد حركة علم النفس الإسلامي الحديث ، وقد مهدت أعماله وتعاليمه الطريق لدمج الممارسات والبحوث الإسلامية المختلفة في علم النفس ولا شك أن تقدم هذه الحركة سيجعل جهوده إنجازًا باهرًا.

تغمده الله برحمته....

 

*المترجم: أبوبكر خميس

Be the first to comment .

* * Required fields are marked