اقتصاد
حروب المال والتجارة
إن هذه الحرب لا يتم خوضها بالأسلحة التي نعرفها (دبابة ، طائرة حربية...إلخ) ، ولكن بسلاح أقوى، وهو سلاح "الاقتصاد".
الكاتب: عماد بكسادز
المترجم: د. خالد إمام
حروب العملات والتجارة، التي ظهرت مؤخرًا في المقدمة وانتشرت في جميع أنحاء العالم، والتي تحدثت عنها كثيرًا الدول المتقدمة، تظهر كحدث يتساءل عنه الجميع. أتساءل ما هي حروب النقد الأجنبي والتجارة وكيف يمكن أن تكون هناك حرب مع النقد الأجنبي والتجارة؟ إنها عملية تحدث مع تبادل السلع والخدمات وتحركات رأس المال وتداول العمالة. الحروب بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو في البداية أثرت لاحقًا على العديد من الدول، خاصة الصين والولايات المتحدة. "الهدف الأساسي من هذه الحروب هو إفقار البلد المعني بالاستيلاء على ثرواته؛ وتحويلها للبلد المجاور له اقتصادياً؛ لأجل إثراء هذا البلد؛ بدلاً من البلد صاحب الثروات".
نعلم جميعًا أن كل دولة تريد زيادة الصادرات وتقليل الواردات، لأن الكمية الزائدة من الواردات تجعل الدولة تابعة وتخلق اختلالاً في ميزان المدفوعات الأجنبية. ولهذا السبب طرحت البلدان ممارسات مختلفة لزيادة الصادرات وسد العجز الخارجي. إحدى الطرق التي تستخدمها الحكومات في معظم الأحيان والمطبقة اليوم هي جعل الإنتاج المحلي أرخص للأجانب عن طريق تقليل قيمة عملاتهم الوطنية. عندما تصبح السلع المحلية أرخص، ستزداد قيمة الطلب الشرائي لهذا المنتج من الخارج. بمعنى آخر عندما ينخفض السعر يزداد الطلب على تلك السلعة أو البضائع من الخارج، وتؤدي زيادة الطلب من الخارج إلى زيادة الصادرات، وبالتالي يتجه العجز في ميزان المدفوعات الخارجية للدولة نحو الاتجاه الإيجابي. لكن هناك سمة مهمة أخرى في هذه الحرب. في مثل هذه الحالة، ينخفض الطلب على السلع في البلدان الأخرى التي تنتج وتصدر نفس السلعة أو البضائع؛ لذلك ستعارض هذه الدول هذه الممارسة. في تلك اللحظة تبدأ الحرب المعنية. نحن نعلم أنه لكي تبدأ الحرب؛ يجب أن يكون هناك جانبان أو أكثر. هنا يكشف الوضع المذكور أعلاه عن ساحة جديدة للقتال. ومع ذلك ، فإن هذه الحرب لا يتم خوضها بالأسلحة التي نعرفها (دبابة ، طائرة حربية...إلخ) ، ولكن بسلاح أقوى، وهو سلاح "الاقتصاد". إذا كان اقتصاد البلد قوياً تكون الميزة في ساحة المعركة في جانب ذلك البلد. في هذه الحرب يتم استخدام أسعار الصرف والحصص والحواجز المستخدمة في التجارة الخارجية كرصاص. يمكن النظر إلى حروب العملة والحروب التجارية بشكل منفصل، لكن الغرض الرئيس لكليهما هو نفسه حروب العملات، مع حركة رأس المال المتدفقة بحرية.
خلال الحرب العالمية الثانية، اجتمعت 44 دولة بما في ذلك تركيا في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1944م وأنشأت نظامًا نقديًا دوليًا جديدًا يعتمد على الدولار الأمريكي. في الاجتماع المذكور تقرر إنشاء مؤسسات جديدة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والتي تم قبولها لاحقًا على أنها "أخوة متلازمة". جميع الدول المشاركة في هذه الاتفاقية أعضاء في صندوق النقد الدولي وعملاتها الوطنية مرتبطة بالدولار الأمريكي بسعر صرف ثابت. من ناحية أخرى يرتبط الدولار الأمريكي بالذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارًا للسبائك من الذهب الخالص. بفضل هذه الاتفاقية أصبح الدولار الأمريكي عملة رئيسة وعملة وسيطة في المدفوعات الدولية، وكان عنصرًا مهمًا من عناصر القوة التي استفادت منها أمريكا حتى اليوم. اليوم جميع دول العالم تقريبًا - بما في ذلك تركيا - مدرجة في المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي. التي تحدد وضع الدولة التي تغطيها المادة. وفقًا لهذا الوضع تقبل الدول حرية حركة رأس المال. هذا يعني أن البنوك المركزية في البلدان التي تدخل هذه الحالة توافق على منح العملة الأجنبية المرغوبة مقابل عملة بلدانها. هذه هي حرية حركات رأس المال. هذا هو أقوى سلاح حصلت عليه الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت. وفقًا للوضع في المادة 8؛ يمكن لرأس المال الأجنبي الدخول إلى أي بلد ومغادرته بسهولة أكبر. وبهذه الطريقة يمكن للولايات المتحدة أن توجه ضربة اقتصادية لأي دولة متى شاءت. بدلاً من ذلك كما ذكرنا أعلاه فإن السبب الثاني لهذه الحروب هو رغبة الدول المتقدمة في السيطرة على الهيمنة العالمية والاقتصاد العالمي. في هذه العملية تستخدم البلدان التعريفات الجمركية والقيود من أجل حماية اقتصاداتها ومهاجمة البلدان الأخرى، ويقدمون نظام الحصص ومكافحة الإغراق والعديد من الحواجز غير المرئية. وخير مثال على ذلك هو الصراعات طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والصين.
من المتوقع أن يتضاعف الاقتصاد الصيني في السنوات الخمس عشرة القادمة. بالنظر إليها من زاوية مختلفة فإن الصين تنمو بمعدل أسرع ثلاث مرات من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك تضع الصين مشروعات بقيمة تريليون دولار على جدول أعمالها من أجل الحفاظ على تدفق التجارة في جميع أنحاء العالم. وتحت سيطرتها الآن طريق سريع جديد في باكستان، ومحطة سكك حديدية جديدة في كازاخستان، وجسر مذهل في ريف لاوس، وافتتاح ميناء بحري جديد في سريلانكا ... كل هذا نشاط صيني اقتصادي يغطي 3 قارات؛ ويغزو أكثر من 60٪ من مساحة العالم السكانية. إنه مجرد جزء من مشروع الصين الذي يبغي المزيد. إن ربط هذه النقاط ببعضها هو نتيجة مبادرة الحزام والطريق الصينية. بعبارة أخرى مع كل هذه الأنشطة تسعى الصين جاهدة لوضع التجارة العالمية تحت سيطرتها وأن تصبح القوة العظمى الجديدة للعالم الجديد. لهذا الولايات المتحدة منزعجة من نمو الصين وبدأت في فرض عقبات مختلفة ضدها. بدأت حروب التجارة والعملات بين الولايات المتحدة والصين خاصة بعد أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة. بدأت الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية إضافية على الصين في عدد من القطاعات. وفي المقابل استجابت الصين أيضًا للولايات المتحدة بتعريفاتها الإضافية. بدأت الضريبة على المنتجات الغذائية المستوردة من الولايات المتحدة في الزيادة. على الرغم من أن هذين البلدين متنافسان إلا أن الولايات المتحدة هي أكبر زبون للصين وتدين بالكثير من الأموال للصين. وفقًا للولايات المتحدة يمكن السخرية من القوة العسكرية للصين لكن القوة الحقيقية اليوم هي القوة الاقتصادية.
تأثير الحروب التجارية والعملة لا يبقى محصوراً بين الصين وأمريكا اللّتين تعتبران الدولتين صاحبتَي الاقتصادين العملاقين فحسب؛ بل سيكون تأثيرها على العالم بأسره. لأن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحروب هو الدول المستهلكة. خلال الحروب المعنية، تنخفض المداخيل التجارية للدول وتتقلص الشركات أو تغلق بالكامل، وتتزايد البطالة ويتقلص الاقتصاد. قد لا يكون هناك دماء في الأفق في حروب العملة والتجارة ، لكنها أساس العديد من المشاكل التي سيكون لها عواقب سلبية مثل زيادة البطالة وانخفاض الرفاهية. فحروب رؤوس الأموال والتجارة تماثل تمامًا الحال في الحروب الحقيقية. والفائز في مثل هذا النوع من الحروب الدول التي تمتلك أقوى الأسلحة، وتتغير معايير التحكم في الثروة العالمية باستمرار نحو الأقوى.
Be the first to comment .